ثم نقرأ كلامها في الكراسة الحمراء فإذا هو كلام أديب وصافة لا تفوته خلجة من خلجات الوهم ولا لفتة من الفتات الملاحظة، ويبدو عليها أنها أستاذة في هذا الفن وليست بالتلميذة الناشئة التي تتعثر فيما تحس وفيما تقول.
فمناسبة اللقاء هنا بينها وبين راهب الفكر ضعيفة، وأضعف منها سبب التعارف بينه وبين زوجها، لأنه ذهب إليه يشكره على اهتمام زوجته بقراءة كتبه، ولم تكن بينهما رابطة تدعوهما إلى اللقاء غير هذه الرابطة، ومنها استحكمت الصلة بينهما حتى أطلعه الزوج فجأة على سر بيته وبيوت أقربائه.
وفي الرواية صفحات طوال عن النساء اللواتي يحسبن مثلاً في التاريخ للزوجات الوفيات. وكل مناسبتها في سلب الرواية أن راهب الفكر كتبها إلى طيف الفتاة بعد لقائها واشتغاله بأمرها وهو ينوي أن يطويها عنها ولا يطلعها عليها. وقليلاً ما يخطر على البال المشغول بامرأة في عصمة رجل آخر أن يجعل أحلامه كلها بقديسات الوفاء الزوجي. وهو يكتبها لنفسه ولا يقصد بها عظة الفتاة وتعليمها.
وتشع في الرواية مناسبات المواقف ومداخل الشخصيات من هذا القبيل، ولكنها ملاحظة على الشكل لا تنفذ إلى جوهر الموضوع، ويبقى بعد ذلك أن صفحات الرواية جميعها مادة قراءة فنية تحليلية قليلة النظير في أدبنا الحديث، بل في كل أدب حديث، وهي مما يعرض للمقارنة بينه وبين ثمرات الأقلام التي تجود بها قرائح الممتازين من أدباء الغربيين في هذا الجيل.
ويلحق بهذه الملاحظة الشكلية هفوة هنا وهفوة هناك من هفوات اللغة المطروقة كمساق في موضع سوق ويسوي في موضع نشوة وتعدية الأفعال بغير حروفها أو في غير مواضعها، وهي حد قليلة في أكثر من ثلاثمائة صفحة من الحرف الدقيق.
ولكن الملاحظة التي تدخل في جوهر الموضوع هي الملاحظة التي تدور على حدود الوصف (المكشوف) في الروايات والكتب عامة.
فالأستاذ توفيق الحكيم من أغنى الكتاب القاصين عن إثارة التشويق والتطلع بالإفاضة في تصوير الغرائز التي لا حاجة إلى تصويرها، لأنه يملك زمام التشويق بوصفه لأنزه خواطر الفكر وأرفع سبحات الروح، فلا حاجة به إلى تنبيه الغرائز في زمن شكواه الكبرى