بالضابط فأطلق النار على نفسه، وثاب الراهب إلى صومعته كما كان.
هذا مجمل سريع للقصة لا يعني شيئاً عن تفصيلها، لأن هذا التفصيل هو المقصود وليست الحكاية لذاتها، وفي هذا التفصيل تتجلى قدرة الكاتب الفنان على تصوير لفتات النفس ووساوس الضمير والانتقال بها من عصمة الوفاء إلى إباحة الخيانة في خطوات قصار لا يشعر بها المتتبع لها إلا وقد شارفت نهايتها القصوى
وأقوى ما يكون هذا التسلسل في ضمير بطلة الرواية وفي ضمير راهب الفكر نفسه، ثم في ضمير الرجلين المتزوجين.
فالزوجة - بطلة الرواية - مثل صادق للفتاة العصرية التي تنعم بدفء الزوجية فلا يستقر لها قرار أو تحترق بالنار، لأنها تلمح وهج النار حولها في كل مكان فلا تصير على النظر إليها والدفء بها دون الوقوع فيها.
وراهب الفكر - ولعله مؤلف الرواية - مثل صادق للرجل الذي يعيش بين الصومعة والحياة فيأخذ من الحياة للصومعة ويأخذ من الصومعة للحياة، ولكنه يجفل من هذه كلما حرفته عن تلك، ولا يرى في إحداهما غني عن الأخرى.
وأصوب ما يقال في شرح هاتين النفسين أنهما دراسة فنية تحليلية من الطراز الأعلى، ولو لم تكن في القصة إلا هذه الدراسة لكفي بها مادة حية وزادا شهيا لمن يولع بدراسات الفن والتحليل.
أما وضع القصة فهو تشويقه واستطراده تقل فيه الروابط الطبيعية التي تمسك أجزاءها وتحل في محلها روابط من عمل التأليف تأتي بها المصادقة ولا يستلزمها السياق.
مثل ذلك أن الفتاة - بطلة الرواية - تقصد إلى المؤلف لأنها مغلقة النفس من ناحية الأدب والتفكير، قد عيت بطبعها وعيّ بها زوجها في رياضتها على القراءة فضلاً عن الكتابة.
ولكننا نسمع إلى حوارها مع راهب الفكر فإذا هي تساجله فكرة بفكرة وفطنة بفطنة وبراعة ببراعة. فتقول له مثلاً إذا تمنع من رؤيتها في ملعب التنيس:(. . . يجب أن تهبط إلى ملعبي لترتفع بي. هكذا يفعل الأنبياء دائماً. يهبطون إلى الناس حتى يستطيعوا بعد ذلك أن يصعدوا بهم إلى المساء. ولم يحدث قط غير ذلك. ولا تنتظر أن أصعد أنا إليك توا بغير أن تهبط أنت إلي ونأخذ بيدي. . .)