من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا، ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة. فقام رجل فقال يا رسول الله عندي - أي في ذمتي - ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله، قال ولم قال ولم غللتها، قال كنت إليها محتاجا، قال خذها منه يا فضل. . . ثم قال الرسول يا أيها الناس من خشي من نفسه شيئاً فليقم أدع له، فجعل الناس يقومون يعترفون بذنوبهم بين يدي رسول الله يدعو الله لهم، حتى قام أحدهم فقال: يا رسول الله إني لكذاب وإني لمنافق، وما من شيء إلا قد جنيته. فقام عمر بن الخطاب فقال: فضحت نفسك أيها الرجل! فقال رسول الله يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وإيماناً وصير أمره إلى خير، فقال عمر كلمة، فضحك رسول الله ثم قال: عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان!!
فهل عرفتم هذا يا رفاق؟ رسول الله يجلس ليحاسب نفسه وليحاسبه الناس وليحاسب الناس على ثلاثة دراهم، لأن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة! ورسول الله لا يدع لليأس من رحمة الله سبيلاً إلى نفوس الؤمنين؛ فهو يعرض على من يخشى من نفسه شيئاً أن يقوم فيدعوا له! وهذا عمر بن الخطاب يتميز على الرجل من الغيظ فيضحك رسول الله ويداعبه، كما داعب عائشة من قبل. فمن منا حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله؟ ومن منا عمل حساباً لفضوح الآخرة الذي ينكشف بين يدي الله لا فضوح الدنيا الذي ينكشف بين أيدي الناس؟!
رب أين نحن اليوم؟!
أسمعوا إلى الرسول الكريم وهو يناجي ربه ويسأله الشفاء يا رفاق!
واسمعوا إلى أزواجه يداعبنه لما يرين من شكواء فنقول إحداهن: لقد اشتكيت في شكوك شكوى لو أن إحدانا اشتكته لخافت أن تجد عليها، فيتبسم ويقول: أو لم تعلمي أن المؤمن يشدد عليه في مرضه ليحط به خطاياه؟
واسمعوا إليه وهو يطلب ماء يصب عليه من سبع آبار عسى أن تخف عنه برحاء الحمى كي يدخل فيخطب الناس موصياً بأسامة وبعث أسامة لما سمعه من لغط الناس عن تأمير أسامة!
واسمعوا إليه وهو في المسجد يوصي المهاجرين بالأنصار ويأمر (بسد هذه الأبواب