باهرة حافلة بجليل الحوادث ورائع التفكير والابتكار، ودفن بمقبرة الصوفية خارج باب النصر بالقاهرة المعزبة وهي يومئذ من مقابر العظماء والعلماء
قضي ابن خلدون في مصر ثلاثة وعشرين عاماً كانت أقل مراحل حياته حوادث وإنتاجاً؛ فقد عاش بعيداً عن شئون الدولة السياسية بعد أن لبث بالمغرب ربع قرن وهو يتجرد من ثوب السياسي المغامر ليتشح بثوب العالم المقتدر. على أنه لم يستطع أن ينشئ له بمصر مدرسة يطبعها بطابعة وآرائه ومناهجه وذلك راجع إلى روح النفور والخصومة، فقد سبقه إلى مصر حكمه على أهلها بأنهم قوم يغلب عليهم الفرح والخفة والغفلة عن العواقب، على أن ابن خلدون كان يحظى بتقدير فريق قوي من الرأي العام المصري المفكر وعلى رأسه العلامة المقريزي الذي تأثر بنظرياته تأثراً كبيراً كما يظهر أثر ابن خلدون في اعتماد بعض أكابر الكتاب المعاصرين عليه والاقتباس من مقدمته وتاريخه، ومن هؤلاء القلقشندي صاحب صبح الأعشى.
أثر ابن خلدون الفكري والاجتماعي
اعتبر ابن خلدون التاريخ علماً يستحق الدرس لا رواية تدون وتقرأ، فانتهى به البحث إلى وضع نوع من الفلسفة الاجتماعية، وكتب مقدمة مؤلفه التاريخي لتكون تمهيداً يقرأ على ضوئها التاريخ، وتفهم دقائقه فجاءت وحدة مستقلة من الابتكار الفائق تسجل مذهباً جديداً في فهم الظواهر الاجتماعية وتعليلها، وفي فهم التاريخ ونقده وتحليله؛ فهو يحاول أن يتبع المجتمع في جميع أطواره منذ نشأته وبداوته إلى استقراره وانتظامه في المصر والدولة وتردده بين الضعف والقوة والفتوة والكهولة والنهوض والسقوط مقسماً موضوعه هذا إلى ستة فصول كبيرة هي:
١ - العمران البشري على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض
٢ - العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل
٣ - الدولة العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية