ولو كان هذا الإنسان صاحبها يعاودني التفكير فيه حيناً بعد حين لقلت الغرابة في تذكره ولو بعد السهو الطويل
ولو كان المكان الذي ذكرته فيه متصلاً بإقامته أو بالمقابلات بيني وبينه لقلت الغرابة كذلك في ثارة ذلك المكان لذكراه
ولكنه لا يكون أحياناً ممن طالت الصحبة بيني وبينه، ولا يكون الموضع الذي اذكرني به موضعا تقابلنا فيه قبل ذلك أو تحدثنا به يوماً من الأيام. وكل ما هنالك أنه إنسان جمعت بيني وبينه المصادفات فترة من الزمن ثم انطوت عني أخباره سنوات لا أراه ولا يعرض لي ما يدعوني أن اشتاق إلى رؤيته، ثم يمر بخاطري فما هو إلا أن أثبته واستعيد ذكره حتى أراه في عرض الطريق
ويحدث مرات أن يتولاني انقباض شديد تتخلله صورة إنسان عزيزي يكرثني جداً أن يصاب بمكروه، ويلج بي هذا الانقباض حتى كأنما الذي أخشاه قد وقع أو هو مرقوب الوقوع. فأبادر بالكتابة من طريق البرق أو البريد، ويحدث في هذه الحالة أن يجيئني خطاب قبل وصول سؤالي إلى وجهته يدعو إلى الطمأنينة، أو يرد ألي الجواب بعد قليل وفيه إشارة إلى خطر زال
واحسب أن هذه العوارض أشيع من أن تحصى في عداد النوادر والفلتات، فقد سمعت ما يشبهها من بعض الأصدقاء المصدقين. وقد اخبرني بعضهم بقلقه على غائب يعزه وهو لا يعرف سبباً واضحاً للقلق الذي يساوره حتى فاتح فيه غيره. ثم تبين أنه لم يقلق يومئذ بغير داع معقول
إلا أن النوادر والفلتات في التلباثي هي العوارض التي تشبه قصة سارية فيما روي عن عمر بن الخطاب
فالذين يشعرون على البعد بمثل هذه القوة والوضوح قليلون، ولكن المسالة - بعد - مسالة فرق في القوة والوضوح، وليست بفرق في أساس الشعور يماثل الفرق بين من يبصر ولا يبصر، وبين من يسمع ومن ليست له إذن للسمع، وبين من يحس ومن ليست له قابلية للإحساس