اقتباسه من الأوضاع والأشكال الشعرية الغربية على أننا يجب أن نذكر أولا ما سنقتبسه لن يلغي القافية الموحدة والوزن الموحد من العربية الغاء، بل تظل هذه الطريقة العربية الخاصة قائمة، لها ميزتها من الرصانة والفخامة، ولها مناسباتها التي تستعمل فيها فتؤدي غرضها أحسن الأداء، لن نهجر طريقتنا إلى طريقة غيرنا بل ناخذ مما عند غيرنا ما يزيد لغتنا وشعرنا سعة وثروة، ويجب أن نذكر ثانية إن الناظم الغربي إنما يستخدم تلك الحرية والمرونة في شعره ليؤدي بها أغراضا خاصة، تجسيم وصف، أو تمثيل حركة، أو تقليد صوت، أو اسلاس قصص، فيجب ألا نهجر القافية والوزن الموحدين إلا أن يؤدي تنويع الوزن والقافية مثل تلك الأغراض، وإلا كان الأمر مجرد تسهيل للنظم يغض من قيمة الشعر الفنية ويورث الناظم الكسل وقلة التعب في معالجة القصيد
واكبر اعتراض يقام أمام إدخال هذه الأساليب الشعرية الغربية نبوها على السمع الذي اعتاد الوحدة في الوزن والقافية العربيين. وهو اعتراض وجيه غاية الوجاهة: فان اقتباس تلك الأساليب إن أدى إلى فساد موسيقى الشعر العربي التي هو قوامه كان وبالا وكان علينا أن نقلع عنه مهما كان له من فوائد، ولكن هذه العقبة يمكن تذليلها بوسيلتين:
الأولى التدرج في التحرر من قيد الوزن والقافية تحررا يسير بطيئا مع الزمن ولا يفاجئ الآذان كبير مفاجأة، فان التطور دون الطفرة جدير بتعويد الآذن على اختلافات العروض والقوافي في القصيدة الواحدة، حتى تستطيب تلك الاختلافات وتلتذها وتصير لها فيها متعة كالمتعة التي نجدها في النظم الواحد، وقدما اخترعت الموشحات والأبيات المختلف شطراها طولا فكانت خرقا في الطريقة السائدة وكانت بلا ريب نابية على الأسماع في أول الأمر، ولكنها بمرور الزمن صارت مألوفة ولم يعد أحد من كبار الشعراء يتحرج من اللجوء إليها في بعض أغراضه.
والوسيلة الثانية هي أن يتصدى لإدخال هذه الأساليب في شعرنا العربي كبار الشعراء الذين عالجوا القريض سنين طوالا، مارسوا اللغة واستوعبوا ثروتها واستنبطوا أسرارها وحذقوا عروضها، فهم وحدهم بخبرتهم ودربتهم وتمكنهم قادرون على أن يدخلوا في اللغة ما يلائمها وينبذوا ماعداه، ويصقلوا ما يدخلون بصقا لها حتى يصير جزء منها ويثبت فيها وينمو ويثمر، أما أن يتصدى لذلك الناشئون المتحمسون للتجديد على غير بصيرة فلن يأتوا