للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلا بكل غث لا يؤدي أغراض الشعر الغربي ولا يبقى على جمال الشعر العربي ولا يكتب له بقاء.

والقافية اشد من الوزن قبولاً للتلقيح بالأساليب الغربية، والشعر المرسل خاصة يكون ذا مستقبل باهر في العربية إذا عالجته الأيدي القديرة، وقد مارسه الأستاذ فريد أبو حديد غير مرة ونجح فيه نجاحا غير قليل، ونشر في الرسالة ترجمة لفقرات من (عطيل) امتازت بالسلاسة ولم ينقص من قدرها في نظري سوى إن الأستاذ أختار لها بحر الرمل، وليس هذا ولا الخفيف المنظومة فيه رواية خسرو وشيرين بأليق البحور لبدء معالجة الشعر المرسل. بل اكثر البحور العربية استعدادا لذلك البحر الطويل الذي هو بطوله وفخامة موسيقاه واتادها اقدر على الاستغناء عن القافية وأحق بان يترجم إليه الشعر المرسل الغربي المعروف (بالبلانك فيرس) وان يحل عندنا محل ذلك الضرب الذي يختص عند الغربيين بشعر الدرامات والملاحم، ولا ريب ان ترجمة روايات شكسبيروأمثالها إليه أولى من ترجمتها نثرا.

ولقد كان شوقي في أواخر أيامه اقدر الناس على ولوج هذه الأبواب لو أراد، لولا شديد اعتداده بالوزن والقافية الموحدين، فانه كان قد مارس قرض الشعر نحو نصف قرن حتى حذق صناعته، وكانت له موهبة في الأسلوب عالية، فبلغ في النهاية غاية الجزالة والسلاسة، وكان له من الوقت متسع للتجريب والمحاولة، ولو عمل على إخصاب اللغة ببدء هذه الأساليب الغربية فيها لخدمها خدمة اجل كثيرا من خدمته أياها بمعالجة النظم التمثيلي في أخريات أيامه، ورواياته التمثيلية ذاتها شاهدة بذلك: فان ميزتها الكبرى والوحيدة براعة الديباجة، أما إذا قيست بمقياس التأليف التمثيلي وقوبلت بالمؤلفات الغربية التي كان يقلدها ويترسمها فلن تكون شيئا مذكورا

على انه إذا كانت العربية قد فقدت شوقيا وحافظا الذين عالجاها حقبة وتمكنا منها، فما يزال لها من كبار الشعراء المجربين من هم قادرين على توسيع افقها ومضاعفة ثروتها بطرق هذا الباب من الاقتباس والابتكار، فلعلهم يتقدمون، ولعل مجهودات الأستاذ فريد أبي حديد تكون الخطوة الأولى في هذا السبيل.

فخري أبو سعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>