استطاع الشاعر الغربي أن يودع شعره من دقيق المعاني وعميق الأفكار وخاصها وجزئيها ما يشق على الشاعر العربي الذي لا طاقة له بغير ذكر العام والكلى، فكلما جاد الشعر العربي راع أسلوبه وأحكمت ديباجته ورافقت موسيقاه، وكلما جاد الشعر الأوربي دقت معانيه ولطفت أخيلته وتجسم وصفه وتصويره وعبر عن الخوالج النفسية البعيدة الغور. وبالجملة كانت نتيجة الوحدة في العروض والقافية في الشعر العربي إن كان شعر أسلوب، ونتيجة التنوع والمرونة في عروض الشعر الغربي وقافيته إن كان شعر معنى.
وإذا كان شعراء العربية الأقدمون قد قنعوا بذلك الضرب المقيد الموحد من الشعر وأدوا به معانيهم وأغراضهم العامة، فلن يقنع به عصرنا، هذا إذا كنا نريد للشعر العربي مجاراة الشعر الأوربي، ونريد أن يؤدي من لطيف الأوصاف للمشاهد الطبيعية والحالات النفسية ما يؤديه ذلك الشعر، ولابد لنا - كما اقتبسنا من الغرب القصة القصيرة والطويلة والرواية التمثيلية والمقالة في عالم النثر - أن نقتبس في عالم الشعر الأوضاع والأشكال التي توسع أفق شعرنا العربي وتزيده قوة وخصبا
والواقع إن القافية الموحدة التي تنظم القصيدة من أولها إلى آخرها غير معروفة في الشعر الغربي، وقد قال ملتون في مقدمته لملحمته المشهورة (الفردوس المفقود) انه عول على نضمها شعرا مرسلا وعلى نبذ القافية نبذا تاما لأنها اثر من اثار الهمجية، وكثيرا ما عاقت الشعراء عن تسجيل سامي المعاني، وبرغم مغالاة ملتون في قوله هذا - إذ للقافية روعتها ولزومها في كثير من ضروب الشعر - فلا شك في إن القافية كثيراً ما تقف عقبة في سبيل نظم دقيق المعاني وجليلها
لابد من رياضة الوزن العربي والقافية العربية على المرونة والسهولة والتنوع في القصيدة الواحدة تبعا للمعاني، كي يساعدا الناظم البارع على بيان أغراضه، فلا يعتمد الاعتماد كله على المعاني والتشبيهات ونحوها، بل يعتمد أيضاً على جرس الألفاظ وموسيقى الوزن ووقع القوافي وتجاوبها واختلافها لإبراز أوصافه وإحياء صورته التي يريد في خلد القارئ، فقد برع الشعر الغربي في هذا الضرب من الملائمة بين المعنى واللفظ والوزن ولاسيما في أشعار الوصف فبذ بتصويره ريشات المصورين في كثير من الأحيان ولا بد من التخلي عن بعض القيود والقواعد وإدخال بعض السهولة والحرية واقتباس ما يمكن