منهم الجزية والخراج بلغه أن الروم قد جمعوا للمسلمين جموعاً لا قبل لهم بها. فكتب إلى أمراء المدن المصالحة:(أن ردوا على أهل الذمة ما جبيتم منهم من جزية وقولوا لهم إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد شرطتم علينا أن نمنعكم؛ إنا لا نقدر على ذلك وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن على الشرط وما كتب بيننا وبينكم إن نصرنا الله)
ولهذا لم ينس الإسلام فيها واجب المروءة والرحمة. فهو لا يجيز أن توضع على امرأة ولا صبي ولا ضعيف عاجز عن الكسب، ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس
(و) هذا والإسلام يحتم على المسلمين أن تكون سياستهم في العهود على وجه عام مبنية على التراضي وحب السلام وإقرار الأمن والعدالة. وهو يمقت العهود التي يكون أساسها القهر والغلبة وتحكيم القوة ويمقت الخداع والخيانة في العهود. ويصف الناقضين للعهد بأنهم شر الدواب عند الله. ويأمر بالاشتداد على الخائنين الذين لا يرقبون إلاً ولا ذمة. ويوجب أن يكون نبذ العهد إذا جد ما يقتضيه على سواء بينه وبين الخصوم. بل يوجب تمكين العدو من إيصال خبر النبذ إلى أطراف بلده وأنحاء مملكته
وفي ذلك يقول الكمال بن الهمام، وهو بصدد قوله تعالى:(وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)
(إنه لا يكفي مجرد إعلانهم بل لابد من مضي مدة يتمكن فيها ملكهم بعد علمه بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته. ولا يجوز للمسلمين أن يغيروا على شيء من أطرافهم قبل مضي تلك المدة)
ويجمل بنا في هذا المقام أن نسوق آية من الكتاب الكريم هي بحق دستور الإسلام في الوفاء بالعهود. قال تعالى:
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة)
(ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم)