٣ - وينشئ المعاهدات لإنهاء الحرب إنهاء مؤقتاً، وهي المعروفة باسم الهدنة أو الموادعة، وذلك كما حصل في معاهدة الحديبية ولإنهائها إنهاء دائماً، وذلك كما حصل مع أهل نجران على أن يكونوا تحت حماية المسلمين في مقابلة ارتضوها
٤ - وهناك نوع آخر من المعاهدات يترك فيه للدولة المعاهدة استقلالها الداخلي تحت ظل من السيادة كما فعل معاوية رضي الله عنه في عهده للأرمن. فقد ترك لهم حريتهم في بلادهم وأن يعينوا أمراءهم وقضاتهم ورؤساءهم، ويحتفظوا بتقاليدهم الدينية والعسكرية
(جـ) والإسلام يترك للمسلمين تقدير المصلحة في كل نوع من هذه المعاهدات ولا يقيدهم في ذلك بشيء إلا بشرط واحد: هو ألا تمس المعاهدة قانونه الأساسي ولا تتعارض مع شريعته العامة.
والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، وشبيه بهذا ما تقوله الدول من أن المعاهدات التي لا تتفق مع الدستور باطله
ولا يستخدم الإسلام ذلك الشرط لمصلحة المسلمين فقط. وإنما يطبقه لمصلحة أهل العهد أنفسهم، ومن هنا يقول الفقهاء:(لو طلب ملك عهد الذمة على أن يترك وما يحكم به أهل مملكته من القتل والظلم والفساد، فلا يصح في الإسلام أن يجاب إلى ذلك، لأن التقرير على الظلم مع قدرة المنع منه حرام)
(د) والإسلام يبيح للمسلمين عند الضرورة أن ينزلوا عن بعض حقوقهم، أو يصالحوا غيرهم على أن يبذلوا له مالاً طلباً لخير يرونه فيما بعد، واتقاء لشر يخافونه على أنفسهم. ولنا في صلح الحديبية أوضح مثال على سماحة الإسلام ومرونته في سبيل الحصول على السلام
(هـ) ومما يتصل بمعاهدات الصلح تقرير الإسلام لمبدأ الجزية وليست الجزية - كما يتصورها بعض الناس - بدلاً عن إسلامهم أو عن دمائهم، وإنما هي علامة على خضوعهم، وكفهم عن الفتنة واعتراض سبيل الدعوة، ومعونة تهيئ لهم الاشتراك في مصالح الدولة، والارتفاق بما يرتفق به المسلمون. يقابلها من جانب المسلمين فوق ذلك حمايتهم من الاعتداء عليهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم
وقد جاء في كتاب الخراج للإمام أبي يوسف أن أبا عبيدة بعدما صالح أهل الشام وجبى