وقد أردت أن أتغنى بأزهار الصباحة في وطني، الوطن الذي لا تقع فيه العيون على غير ما يزيغ البصائر ويضل العقول، فلم أظفر مع طهارة القلب بغير الاصطباح باللوم والاغتباق بالتثريب، مع أن وطني هو الذي أبتدع النشيد المحبوب:
(صيد العصاري يا سَمَك)، ومع أن الجمال في مصر لا يقاس إليه الجمال في أي أرض إلا حين تذكر مسارح الغزلان في الشام وفلسطين ولبنان والعراق
فإن باركتم (الجبل القائم كالفارس الأسمر الجميل) فهي عُلالة تنسون بها أن مصر لها في دولة الحسن سلطان لن يزول، لأنه المحور الذي ترتكز إليه (وحدة الوجود)
كل ما في مصر جميل، ولكن أين الشعراء؟
كان للشعر الوجداني دولة أيام الوزير محمود سامي البارودي بطل القلم والسيف، ثم صار الحديث عن الحب بدعة لا تليق برجل من الوزراء، فأين من يُبلغ أهل مصر أن الحديث عن الحب لم يغض وزير المعارف الأسبق في العراق وهو معالي الأستاذ محمد رضا الشبيبي، على أيامي في صحبته أطيب التحيات؟
لا بد من يومٍ أغر في خدمة وطني، وهو اليوم الذي أهتف فيه بأن مصر هي الوطن الأول للشعر والجمال والفنون
بأي حق يهتف الهاتفون بالحسن في دمشق على حين يخرس الشعراء عن الهتاف بالحسن في القاهرة، وهي بلا جدال عاصمة الشرق؟
أيكون بلدك أجمل من بلدي يا صلاح الدين حتى يصح لي أن أسكت ويجب عليك أن تنطق؟ نهركم هو بَرَدَى الذي يصفق بالرحيق السلسل
وأين بردى من النيل؟ وهل في الدنيا كلها نهر سبق النيل إلى المدنية وإلى الحديث عن أوطار القلوب في الغسق والشفق؟
وهل يكون الفرات في الطغيان أعظم من النيل في الوفاء؟
وهل ترى جمال العراق ينسيني جمال وطني، الوطن الذي أجد الظلم فيه أعذب مذاقاً من العدل، مع الاعتراف بأن شعراء العراق سبقونا إلى وصف النشوة برحيق الوجود؟
وأين الأرض التي تخرج الثمرات أربع مرات في العام الواحد كما تصنع أرض مصر، مصر التي ولد فيها موسى منشأ فيها عيسى وصاهرها محمد، عليهم أفضل الصلوات؟!