ولم يسع الخديو إلا أن يذعن - ولكن على طريقته - لإرادة الأمة هذه، فدعا شريفاً والقنصلين الأجنبيين وعرض عليهما الأمر فلم يكن أمام شريف غير الاستقالة. ثم إن الخديو دعا إليه زعماء النواب وسألهم كما أسلفنا عمن يرضون لرياسة الوزارة، فبعد أن بينوا له أن ذلك من حقه اختاروا البارودي واشترطوا أن يكون قيام وزارته على أساس إجابة مطالب النواب
ولقد أضاف الخديو إلى أخطائه خطأ جديداً بقبوله هذا الأساس فمن حقه وحده اختيار رئيس وزرائه، ولكنه خطا حتى هذه الخطوة بإشارة القنصلين فلقد أوهماه أن في هذه خيراً له، فبه يخلو من التبعة ويلقيها على عاتق النواب والزعماء. . . ولكنهما في الحقيقة كانا يريدان أن يوسعا مدى الخلف بين الخديو والبلاد؛ ومن السهل عليهما أن يوحيا إليه على لسان أعوانهما بعد ذلك أنه أصبح وليس له من الأمر شيء
على أن مالت وكلفن وأشياعهما ما لبثوا أن أذاعوا في مصر وفي أوربا عن الوزارة كل سوء ورموها بكل باطل من الاتهام، فهي وزارة عسكرية محضة لا تعترف سياسة أو تنظر في عاقبة أمر من الأمور وإنما قوام أعمالها العنف والثورة؛ وهي وزارة لا تحسب لأي سلطة غيرها حساباً فليس للخديو وجود فعلي أمامها، وليس للأجانب على ما لهم في مصر من ديون أي حق أو شبه حق. . . إلى غير ذلك من اللغو والإفك
أما عن عرابي نفسه فقد خرج بأوفر نصيب من التهم الباطلة، ومن هذه التهم ما عزي إليه على لسان جريدة التيمس أنه هدد شريفاً وأنه شهر سيفه في وجه سلطان باشا رئيس المجلس وهدده بتيتيم أطفاله. ولقد بلغ من رواج هذه الإشاعة أن أثبتا ماليت في يومياته، بل لقد أثبت ما هو أشد خطراً منها ألا وهو أن الخديو ما قبل استقالة شريف إلا تحت تأثير تهديد لا يقل عن هذا
ولقد استاء سلطان من هذه الفرية وحاول جهده تكذيبها. يقول مستر بلنت في مذكراته: (وقد ذهبت إلى منزل سلطان باشا فوجدت فيه طائفة كبيرة من النواب وكثيرين من ذوي الحيثيات والمكانة في مصر وهم: الشيخ العباسي وعبد السلام باشا المويلحي وأحمد بك السيوفي وهمام أفندي وشديد بطرس أحد كبار النواب الأقباط وغيرهم. وقد أنكر هؤلاء جميعاً هم وسلطان باشا أنهم عملوا تحت تأثير أي تهديد، وتكلم سلطان باشا بلهجة شديدة