مثل تلك الشدة التي ساق الطامعون إليها البلاد على غير إرادتها. . .
على أن الناس ما كانوا ينظرون إلى عرابي نظرتهم إلى وزير من الوزراء فحسب، بل كانوا ينظرون إليه نظرتهم إلى الرجل الذي تعلق عليه الآمال فيما كانت البلاد مقبلة عليه، وإنما كانت تقوم نظرتهم على ما بلوا بأنفسهم من إخلاصه، وما شهدوا من بسالته وحميته، وعلى ذلك فما زاده المنصب في أعين الناس مثل ما يطلبه غيره ليزداد به من جاه أو شرف، وأي شرف يطمع فيه الرجل هو أعظم من أن يكون في بني قومه معقد الرجاء وموضع الثقة؟
ولقد كان عرابي في الوزارة إذا أردنا الحق أكثر من وزير فكانت الكلمة كلمته وكان الرأي رأيه، أراد ذلك أم لم يرده، ونقول أراده أم لم يرده لأنه بات في الزعماء رجلاً ليس للزعماء مثل ما له في قلوب الناس من مكانة وسحر. وهل كان سعد زغلول في كرسي الرياسة كسواه من رؤساء الوزارات، ليس لشخصه من تأثير في قلوب الناس إلا ما تبعثه هيبة المنصب ورهبته؟ أم كان سعد في الناس رجلاً غير ما ألفوا تحف به هالة من أمجاده فتخلق له شخصية وسطاً بين الملائكة والناس؟ وهل ازداد سعد بالمنصب شيئاً في أعين الناس أم أن المنصب هو الذي ازداد به علواً ومهابة؟ على هذا القياس صور لنفسك شخصية عرابي بين قومه يومئذ مع تذكر الفرق بين جيل عرابي وجيل سعد ومواهب عرابي
كان على وزارة البارودي بادئ الأمر أن تواجه أزمة الميزانية؛ وكان عنصرا هذه الأزمة الدولتين المتجنيتين على البلاد ونواب الشعب الغاضبين لكرامة بلادهم المتمسكين بحقهم أمام باطل أعدائهم، وكان من الطبيعي أن تعمل وزارة البارودي أحد الزعماء العسكريين والتي كان عرابي نفسه أحد وزرائها، على تحقيق آمال البلاد، بل لقد كان أمراً حتمياً على تلك الوزارة أن تفعل هذا فعلى هذا الأساس كان قيامها بالحكم
قامت وزارة البارودي على إرادة الأمة ما في ذلك ريب؛ فإن النواب حينما أظهروا أسفهم لشريف أن يكون المجيب لمطالبهم رجلاً غيره، وحينما ذهبوا إلى الخديو يشكون إليه أمرهم كانوا معبرين في ذلك عن مشيئة الأمة، وآية ذلك أن الخديو لما سألهم بأي حق يطلبون إقالة شريف كان جوابهم (هذه إرادة الأمة)