أميل إلى تصديقه فيما يقول فليس في الأمر ما يحمل على الريبة في قوله، وهو لا يسوق هذا القول مساق الفخر وإنما يسوقه بين براهينه على أنه لم يكن يوماً يدعى خصومه تحكه الأطماع الشخصية
وأما عن قبوله المنصب فما نظن أنه كان يستطيع أن يبقى بمعزل عن الوزارة وقد صار له في سياسة البلاد هذا الشأن بعد حادث عابدين. وإنا لنعجب أشد العجب للذين يعيرون رجلاً لقبوله منصباً من المناصب ويتخذون ذلك القبول دليلاً على أنه يطلب الخير لنفسه فحسب، فهل كانت المناصب عند الناس جميعاً وسيلة إلى إشباع المطامع وجلب المنافع الذاتية؟ وأي شيء يجعل هذا لازمة حتمية للمنصب؟ وأي شيء يمنع من أن يكون المنصب عند بعض الناس وسيلة إلى غاية جليلة شريفة هي العمل للصالح العام؟ وأي قرينة تمنع من أن نسلك عرابياً في سلك هؤلاء الداعين إلى الخير العام والذين يتخذون من المناصب أداة لخدمة المجتمع؟ إن ابسط قواعد العدالة تضع المتهم على قدم المساواة مع البريء حتى تثبت إدانته، فأية إدانة يلصقها بعرابي أولئك الذين عابوا عليه دخول الوزارة؛ إنهم إذ يتهمونه بالسعي إلى صالحه هو لا يعدون بذلك حدود التهمة، فله أسوأ الفروض من موضع البريء من العدالة حتى تثبت إدانته، وما أيسر أن تكال لأي فرد من الناس في غير حساب، وما أصعب البينة على الذين يفترون الكذب وهم يعلمون. . .
إن الذين يرون في الحكم مغنماً لهم إنما هم أولئك المفرطون في حقوق أوطانهم الممالئون للدخلاء فيها، والمستضعفون من الرجال، والذين في قلوبهم مرض، والمغترون بالحياة وأوهامها، والمالئون بطونهم كما تأكل الأنعام؛ أما أولو النخوة والعزة من الرجال فلن تلهيهم عن دوافع نفوسهم الأبية الحياة الدنيا وزينتها؛ ولن تطفئ الحمية في قلوبهم ما يحلي بها الأغرار صدورهم من أوسمة، أو تزدهي أنفسهم الكبيرة الرتب والألقاب، أو يزيغ أبصارهم بريق الذهب، لأن هذه جميعاً عندهم مظاهر وهم يحتقرون كل مظهر، لأنهم يطلبون الجوهر. ومن كان في هذه الدنيا كبيراً بنفسه فما بحاجة إلى أن يتكبر، ومن تكبر وهو بنفسه صغيراً فما زاد على أن أضاف إلى حقارة نفسه ما هو أحقر
ولقد كان عرابي كبير النفس كبير الآمال فكان المنصب عنده باباً من أبواب الجهاد ووسيلة من وسائله؛ فما يعيبه أن يدخل الحكم وإنما يعيبه أن يعرض عن الحكم وعلى الأخص في