وتنحصر هذه الآراء في المساواة بين الطبقات، وفي الاحترام الواجب للفلاح باعتباره العنصر الأساسي المجد في الجيش المصري؛ وهذا الدفاع عن حقوق الفلاح هو الذي ميز عرابيا عن مصلحي ذلك العصر. وغني عن البيان أن حركة الإصلاح الأزهرية كانت تشمل المسلمين ولا تميز بين الأجناس؛ أما حركة عرابي فكانت قومية ولذلك كانت الوطنية فيها أظهر، وإقبال الناس عليها أقوى وأكثر)
وفي عهد إسماعيل يزداد نفور عرابي من الجركس وتزداد ميوله الوطنية وضوحاً باتصاله بالحركة الوطنية التي أخذت تدب في جسد الأمة المنحل الذي أثقلته سياسة إسماعيل وديون إسماعيل
وكذلك تزداد في هذا العصر نزعة تمرده وسخطه وتتجلى في كثير من مواقفه، ومن أهم تلك المواقف ما كان بينه وبين خسرو باشا الذي ما زال يكيد له حتى رفت من الجندية، وكان خسرو هذا جركسياً ويعزو عرابي سبب رفته إلى أن خسرو قد سار بالوقيعة بينه وبين وزير الجهادية متهماً إياه بأنه:(صلب الرأي شرس الأخلاق لا ينقاد لأوامره ولا يحفل بما يصدر منها عن ديوان الجهادية). وأما سبب الخلاف بينه وبين خسرو فيذكر عرابي إنه كان في لجنة لامتحان الضباط وكان على رأسها خسرو، فأراد أن يتحيز إلى أحد الجراكسة فيعطيه ما لا يستحق ولم يرض عرابي على رغم إلحاحه عليه أن يشايعه في ذلك فعول على الانتقام منه
والذي يعنينا من هذه الرواية أنها تصور لنا شدة الخلاف بين عرابي ورؤسائه في الجيش مهما كانت أسباب ذلك الخلاف، كذلك يكشف لنا ما علق به عليها عرابي عن ناحية من عقليته، فلقد راح يذكر ما حل بمن آذوه من المصائب معدداً أسماءهم مبيناً ما لحق بكل منهم مورداً ذلك على إنه انتقام له من الله. . . وفي هذا نوع من السذاجة لاشك كما أن فيه دليلاً على ما كان للدين من سلطان على عقل عرابي وقلبه
على أن هذه الناحية الدينية في حياته قد استغلها ضده خصومه كذلك محاولين أن يسوقوها دليلاً على إنه كان رجلاً لا يفترق كثيراً عن عامة الناس في جميع أفكاره ونزعاته، دون أن يشعروا أنهم بهذا التعميم الذي لا مبرر له إنما ينالون من عقولهم هم، أو على الأقل أنهم إذا كانوا يدركون خطأ هذا التعميم ثم يتمسكون به فإنما ينالون من أنفسهم لا من نفسه