الخطبة أول حجر في أساس نظام مصر للمصريين. وعلى هذا يكون المرحوم سعيد باشا هو واضع أساس هذه النهضة الوطنية الشريفة في قلوب الأمة المصرية الكريمة)
ولقد كتب عرابي هذه الآراء بعد الثورة، ولعل في ذلك ما يدعو إلى ضعف الثقة في قيمتها عند بعض المؤرخين، كما هو الحال في مذكرات نابليون التي كتبها في منفاه في سنت هيلانة، فلقد أخذها بعض المؤرخين على إنها دفاع من جانب نابليون عن أعماله بعد أن خلا إلى نفسه فنظر وتدبر
ولكن أعمال عرابي التي لا ينكرها المؤرخون حتى المغرضون منهم لا تتناقض مع كثير مما جاء في مذكراته، وعلى الأقل في هذا الجانب الذي نتلمس فيه الدليل على ما نحسبه من أن عرابياً قد اتجه منذ نشأته اتجاهاً قومياً وطنياً، وهذا أمر نراه على جانب عظيم من الأهمية. ففي هذه النزعة القومية نرى عرابياً الحقيقي. أما عرابي الذي صوره خيال المغرضين من المؤرخين فما أبعده عن هذا. وهل كان يحلو لهؤلاء الذين استغلوا حركة عرابي أقبح استغلال، إلا أن يصوروه أقبح صورة؟ فلا يكون عندهم إلا جندياً جاهلاً مغروراً واتته الظروف فراح يخيط في حماقته لا يلوي على شيء وما زال في جنونه يلوح بسيفه حتى اضطر آخر الأمر أن يسلمه صاغراً إلى قائد جيش الاحتلال الإنجليزي!
ما كانت حركة عرابي عسكرية بحتة، وما كان هو بالأحمق ولا بالمجنون، وإنما كان لابد أن تلتقي الحركة العسكرية وهي لا تخلو من الصفة الوطنية بالحركة الوطنية العامة؛ ثم لقد تم هذا الالتقاء في شخص عرابي، وكان النجاح حليفه فيما طلب باسم الأمة يوم عابدين، ولا لوم عليه بعد ذلك ولا جناح أن تحاك الدسائس وتوقد نار الفتنة تنفيذاً لسياسة مرسومة سوف نميط عنها بكل ما وسعنا من حجة. . .
هذه النزعة الوطنية القومية في نفس هذا المصري الفلاح مع ما توافر له من صفات الغيرة والبسالة، هي التي جعلت إليه قيادة الحركتين يوم التقتا. ولقد كانت هذه النزعة كما ذكرت تجيش بها نفسه منذ شب. كتب في ذلك مستر بلنت وكان من أصدقاء عرابي يقول في علاقة عرابي بسعيد: (وقد حظي عرابي الذي كان وسيما ووجيهاً برضائه حتى سمى أركان حرب له ورافق سعيداً إلى المدينة في السنة التي سبقت وفاته. وعندي أن عرابي كون آراءه السياسية الأولى أثناء حديثه مع سيده في هذه السفرة التي كانا فيها متلازمين،