لشبهات السلطان، فأجريت الأمثال والمواعظ على ألسنة السلف الصالح، وملوك الأمم الغابرة وحكمائها وفلاسفتها، ووضعت على أفواه الحيوان والأرواح، وأرسلت شعراً ونثراً، وترجمت عن اللغات، وكان من ذلك مترجمات ابن المقفع.
وكانت الصبغة الدينية التي لازمت توطد الدولة الإسلامية وتطور المجتمع الإسلامي، داعياً آخر إلى انتشار الحكمة في الأدب، وفي الحكمة كتب ونظم كثير من رجال الدين، ومن آثار الحكمة التي مبعثها الشعور الديني أشعار أبي العتاهية وأبن عبد القدوس والأمام الشافعي، ومما زاد هذه النزعة الدينية احتداد، وهذه الحكم الدينية ذيوعاً، ما كان يجاورها من مظاهر الترف المغرق وآثار اللذات والمفاسد، فكانت تلك رد فعل لهذه، وكان من الشعراء المغرقين في المجون والتبذل كأبي نواس وبشار، من تعاودهم رجعات من التبصر في الحياة وغرورها، حين تسئمهم اللذات ويرهقهم بشمها وخمارها، فيرسلون في أشعارهم من الحكم ما قد ينسب إلى أزهد الزهاد وأحكم الحكماء
وبدخول الأدب العربي طوره الفني طلب الشعراء البراعة والتفنن بصوغ الحكم وضرب الأمثال محاكاة للأقدمين وتوليدا من معانيهم، وكانوا يشفعون الحكمة الإنسانية أحياناً بمصداقها من عالم الطبيعة والحيوان والجماد، فإذا أرسل أبو تمام حكمة في ظهور فضل المحسود على يد الحاسد ضرب لذلك مثلاً اشتعال النار فيما جاورت وإعلانها بذلك طيب عرف العود، ويقول في موضع آخر منتزعاً مصداق كلامه من ظواهر الطبيعة:
وإذا رأيت من الهلال نموه ... أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً
ويقول غيره:
يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاء
واشتغل المسلمون بدراسة الفلسفة اليونانية دون الأدب اليوناني، فتأثر أدبائهم بتلك الدراسة، وازداد ولعهم بالحكمة، واتخذت حكمتهم صبغة فلسفية أقرب إلى القضايا المنطقية وأشبه بالاستقراء العلمي، وذلك واضح في أشعار المتنبي والمعري اللذين انحرفا بذلك بعض الانحراف عن الأسلوب العربي الأصيل، الذي يمتاز بالبلاغة والوضوح والإطلاق، وبلغ من تأثر شعر الحكمة في العربية بروح الفلسفة اليونانية، أن أبا علي الحاتمي وضع رسالة يرد فيها أكثر حكم المتنبي إلى كلام أرسطو. وفي شعر المتنبي بلغت الحكمة العربية