أمثال وحكم عديدة، لا تزال تحمل طابعها الإسرائيلي وتدل بأسماء أعلامها ومواطنها على نشأتها الشرقية؛ وسرت في الإنجليزية كذلك أمثال عديدة من الإغريقية واللاتينية يترجمها الأدباء إذا استعملوها وقد يثبتونها في لغتها الأصلية.
بيد أن ذلك هو كل ما هنالك، والحكمة في الإنجليزية نادرة إلى حد بعيد، وهي لم تكن من مطلوب أدبائها ولا من هم شعرائها يتوخونها عمداً ويودعونها اللفظ البليغ الموجز، ولم يكن الإيجاز من دأبهم كما كان من دأب شعراء العربية وأدبائها في أحسن آثارها وأزهر عصورها، فالأديب الإنجليزي إذا أخذ في الكتابة أرسل لخياله العنان، وأبرز فكرته الواحدة في شتى الصور متسلسلة متتبعة غيرها من الأفكار، أما الأديب العربي فيؤثر الإيجاز البليغ ويودع المعنى الواسع الشامل البيت الموجز أو العبارة المحكمة ويتجه إلى غيره، وهذا الإيجاز المشهود في جيد الشعر الجاهلي راجع بلا شك إلى أمية العرب وحاجتهم إلى الاستغناء بالقول الجامع، والاجتزاء بالحكمة الشاملة، وقد توورثت هذه الخلة من خلال الأدب الجاهلي فيما تلا ذلك من عصور الأدب العربي كما توورث غيرها من خلالّ.
ومما حبب العرب في جاهليتهم في الحكمة أخذهم بحياة الحل والترحال، واشتغالهم أبدا بالقتال وإدراك الثارات: فتلك حياة شديدة كانت تتطلب كثيراً من العمل وقليلاً من الكلام المفيد مع قلته. وكان الانتفاع بالتجارب من أكبر أسباب النجاح فيها، والاشتهار بالحكمة والدراية من صفات الشيوخ والرؤساء؛ ومنهم كان كثير من فحول الشعر ورجال البيان ومصاقع الخطباء كالأفواه الأودي وأكثم بن صيفي وقس بن ساعدة الأيادي. ومن ثم أثر عن الجاهليين ما لا يعد من روائع الحكم نظماً ونثراً. ومن أمثلتها خطبة قس بن ساعدة وحكم زهير بن أبي سلمى في معلقته.
وقد أعجب المتأخرون من الشعراء والأدباء بهاتيك الحكم أيما إعجاب، وشمروا عن ساعد الجد للإتيان بأمثالها، وعدوها محك قدرة الشاعر وبرهان الشاعرية الصادقة، وكاد يلهيهم الاشتداد في طلبها عن ابتكار شيء جديد في الشعر.
وكان العرب في الجاهلية لا يعدون الشاعر فحلا حتى ينطق بالحكمة، فما لم يأت بشيء منها فهو وبعد غر لم ينضجه تنور التجارب ولم تتكشف له حقائق الحياة؛ وظل الأعشى فيما قبل مزوياً عن مرتبة الفحول، رغم ضربه بسهم في مجالات المدح والهجاء والاعتذار