يزدادوا إلا ضلالاً وإثما، وتمادوا في غيهم وفجورهم؛ وينعى على الناس هذه النازلة الأليمة ويحذرهم من عواقبها، ثم يقول مشيراً إلى اختفاء الحاكم:(فقد غضب الله تعالى ووليه أمير المؤمنين سلام الله عليه من عظم إسراف الكافة أجمعين، ولذلك خرج من أوساطكم، قال الله ذو الجلالة والإكرام: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، وعلامة سخط ولي الله تعالى تدل على سخط الرب تبارك وتعالى. فمن دلائل غضب الإمام غلق باب دعوته ورفع مجالس حكمته، ونقل جميع دواوين أوليائه وعبيده من قصره ومنعه عن الكافة سلامه، وقد كان يخرج إليهم من حضرته ومنعهم لهم عن الجلوس على مصاطب سقائف حرمه، وامتناعه عن الصلاة بهم في الأعياد وفي شهر رمضان، ومنعه المؤذنين أن يسلموا عليه وقت الآذان ولا يذكرونه، ومنعه جميع الناس أن يقولوا مولانا ولا يقبلوا له التراب، وإنهاؤه جميعهم من الترجل عن ظهور الدواب، ثم لباسه الصوف على أصناف ألوانه، وركوبه الأتان، ومنعه أولياءه وعبيده الركوب معه حسب العادة في موكبه، وامتناعه عن إقامة الحدود على أهل عصره، وأشياء كثيرة خفيت عن العالم، وهم عن جميع ذلك في غمره ساهون. . .
ومن ثم (فقد ترك ولي الله أمير المؤمنين سلام الله عليه الخلق أجمعين سدى، يخوضون ويلعبون في التيه والعمى الذي آثروه على الهدى)
ويختتم الداعي رسالته الغريبة بتكرار الدعوة إلى التوبة والاستغفار، وأن يتجه المؤمنون بأبصارهم إلى الطريق التي سلكها أمير المؤمنين (وقت أن استتر) وأن يجتمعوا فيها بأنفسهم وأولادهم، وأن يطهروا قلوبهم، ويخلصوا نياتهم لله رب العالمين، وأن يتوسلوا إليه بالصفح والمغفرة وأن يرحمهم بعودة وليه إليهم. . . (والحذار الحذار أن يقفوا أحد منكم لأمير المؤمنين أثراً ولا تكشفوا له خبراً، ولا تبرحوا في طريق يتوسل جميعكم. . . فإذا أطلت عليكم الرحمة خرج ولي الله أمامكم باختياره راضياً عنكم، حاضراً في أوساطكم، فواظبوا على ذلك ليل نهار قبل أن تحق الحاقة ويغلق باب الرحمة وتحل بأهل الخلاف والعناد النقمة، وقد أعذر من أنذر. . . . الخ).
ويؤرخ الداعي رسالته بذي القعدة سنة إحدى عشر وأربعمائة، وينعت نفسه فيها بمولى دولة أمير المؤمنين، ويذيلها بالحث على نسخها وقراءتها والعمل بما فيها.