يكون ماركس. وأبطال التاريخ يولدون كما تولد الحركات الفكرية الكبرى، تنشئهم الظروف الاقتصادية؛ فنابليون وكروموبل وقيصر وغيرهم من عظماء التاريخ جاءوا في الساعة التي كانوا لابد أن يجيئوا فيها، ولو لم يجيئوا هم بالذات لجاء غيرهم، فيتغير الاسم ويبقى الرجل. وكل عصر له أبطاله، إذا لم يجدهم عفواً فانه يخلقهم خلقاً. وإذا لم توجد البطولة الحق في الرجل الزعيم، فإن حاجات الوقت المادية والمصالح الاقتصادية تنفخ فيه روح بطولة مصطنعة وتجعل منه رجل الساعة. هذا هو رأي انجلز في البطولة والأبطال
فالعظمة ليست إذن إلا صنع الجيل وبنت البيئة. أما العوامل الحقيقة التي تصنع التاريخ صنعاً، فليست هي بطولة العظماء، إنما هي القوات الاقتصادية، تبدأ في تغيير الفكر البشري، ثم تدفعه إلى الأمام. وهكذا يرتبط بالعمل، ويسوق ذاك إلى هذا. ومصدر كل من الفكر والعمل إنما هو العامل الاقتصادي، مثل ذلك تقدم الصناعات الكبرى وتكدس رؤوس الأموال. هذا هو العامل الاقتصادي الذي يحكم العالم في العصر الحاضر. وقد أوجد هذا العامل طبقة أصحاب رؤوس الأموال، أو البورجوازية، قوية مسيطرة على أقدار العالم. ولكن هذا العامل الاقتصادي نفسه أوجد أيضاً طبقة العمال تستغلهم البورجوازية وتسلبهم ثمرة جهودهم. هذا الوضع الاقتصادي هو الذي أوجد حركة فكرية عند طبقة العمال، وقد شعروا بالظلم يحيق بهم. وهذه الحركة الفكرية هي التي تدفعهم إلى العمل. فالعامل الاقتصادي هو الذي أوجد البورجوازية، والبورجوازية هي التي أوجدت العمال، والعمال هم الذين سيهدمون البورجوازية. وقد كتب كارل ماركس في منشوره المشهور إلى الحزب الاشتراكي سنة ١٨٤٨:(إن البورجوازية لم يقتصروا على صنع الأسلحة التي ستقتلهم، بل هم هيئوا أيضاً الرجال الذين سيضربون بهذه الأسلحة)
فقيام البورجوازية وسيطرتهم على العالم الاقتصادي، وسقوطهم بعد ذلك على يد العمال، كل هذه حوادث تدفع إليها الإنسانية دفعاً من طريق العوامل الاقتصادية؛ فالرجال إذن مسخرون، علموا أو لم يعلموا، لخدمة حاجات اقتصادية اقتضتها البيئة التي يعيشون فيها، وهم يظنون أنهم يعملون لأغراض مادية. فلوثر مثلاً كان يعتقد أنه يعمل لمجد المسيح، والواقع من الأمر أن ثورته لم تكن إلا سداً لحاجة البورجوازية الألمانية التي كانت تستغلها الكنيسة الرومانية. وليس الرجال في نشاطهم بوجه عام إلا ممثلين لطبقات اقتصادية،