بالتفسير الاقتصادي للتاريخ. أما خططها العملية فقد انقسم أنصارها بالنسبة لها إلى فريقين: فريق معتدل يقول بالعمل في الدائرة الدستورية، والوصول إلى الحكم من طريق النظم النيابية المشروعة، أي اتخاذ الديمقراطية وسيلة لتحقيق الحكومة الاشتراكية. وفريق متطرف يقول بعدم الجدوى من كل هذه الخطط، ولابد من الثورة والانتقاض على الديمقراطية الرأسمالية وهد أركان النظام النيابي، والاستيلاء على الحكم بالقوة، حتى تتحقق الحكومة الاشتراكية. وكان كارل ماركس قد أسس الدولية الأولى في سنة ١٨٦٤ في لندن، حتى يجمع شتات العمال من جميع أطراف العالم. ثم لما انقسم أشياعه إلى الفريقين المتقدمي الذكر، أسس الفريق المعتدل الدولية الثانية، وأسس الفريق المتطرف الدولية الثالثة، وهي دولية موسكو المعروفة
وأقول لكم كلمة موجزة عن المادية التاريخية أو التفسير الاقتصادي للتاريخ، حتى نتفهم المذهب الاشتراكي من ناحيته الفلسفية. تتلخص هذه المادية التاريخية في فكرة جوهرية، هي أن الحاجات المادية للإنسان والعوامل الاقتصادية التي تحيط به هي التي تسيّر التاريخ وتكيّف الحوادث. وكل حوادث التاريخ ومراحله المتعاقبة لا يمكن تفسيرها إلا تفسيراً اقتصادياً؛ وليس للإنسانية إلا تاريخ واحد، هو تاريخها الاقتصادي المادي؛ أما الدين، وأما الأخلاق، وأما المثل العليا، وأما العظمة والبطولة، فكل هذا شيء مرده إلى المادة، تحكمه وتسيطر عليه. فالمذهب الاشتراكي ينظر إلى الحياة كوحدة لا تقبل التجزئة وهي وحدة المادة لحمتها وسداها
والى جانب فكرة الوحدة المادية للحياة توجد فكرة الحتمية، فالعالم مسير لا مخير؛ وكل ما يقع في العالم من حوادث هو من عمل الإنسان، ولكنه عمل دفعته إليه الظروف دفعاً، فلا اختيار له فيه ولا إرادة. ويقول لنا انجلز شريك ماركس في تأسيس المذهب الاشتراكي الحديث: لا تظنوا أن الحركات الفكرية الكبرى التي تظهر من وقت لآخر هي وليدة أفكارنا، بل هي وليدة الظروف الاقتصادية الملابسة، كان لابد من وجودها فوجدت، وسخر لها أناس يقولون بها. ولو أن مارتن لوثر مؤسس البروتستانتية لم يوجد لوجد لوثر آخر يدعو إلى ما دعا إليه لوثر الأول. وماركس نفسه، إذا كان قد قال بالمادية التاريخية فذلك لأنها فكرة ولدتها ظروف البيئة الاقتصادية، وكان حتما أن يقول بها رجل أراد القدر أن