الدواة النحاسية الطويلة التي كان يستعملها العلماء وطلبة العلم للكتابة وللدفاع عن النفس، فاستخرج منها قصبة فبراها، وأخذ المقط فقطها، وجلس يكتب الجواب بخط نسخي جميل حتى سود عشر صفحات ما رجع في كلمة منها إلى كتاب، ودفعها إلى الناموس، ودفع إليه عنوان منزله وذهب. فلما حملها الناموس إلى شيخ الإسلام وقرأها، كاد يقضى دهشة وسروراً
- وقال له: ويحك! من كتب هذا الجواب؟
- قال: شيخ شامي من صفته كيت وكيت. . .
- قال: علي به
فدعوه وجعلوا يعلمونه كيف يسلم على شيخ الإسلام، وان عليه أن يشير بالتحية واضعاً يده على صدره، منحنياً، ثم يمشي متباطئاً حتى يقوم بين يديه. . . . إلى غير ذلك من هذه الأعمال الطويلة التي نسيها الشيخ، ولم يحفظ منها شيئاً
ودخل على شيخ الإسلام، فقال له:
- السلام عليكم ورحمة الله، وذهب فجلس في أقرب المجالس إليه. وعجب الحاضرون من عمله ولكن شيخ الإسلام سرّ بهذه التحية الإسلامية وأقبل عليه يسأله حتى قال له:
- سلني حاجتك
- قال: إفتاء الشام وتدريس القبة
- قال: هما لك. فاغدَ علي غداً!
فلما كان من الغد ذهب إليه فأعطاه فرمان التولية وكيساً فيه ألف دينار
وعاد الشيخ إلى دمشق فركب اتانه ودار حتى مرّ بدار العماديين فإذا صاحبنا على الباب، فسخر منه كما سخر وقال:
- من أين يا شيخ؟
- فقال الشيخ: من هنا، من اسطنبول. أتيت بتولية الإفتاء كما أمرتني
ثم ذهب إلى القصر فقابل الوالي بالفرمان، فركع له وسجد وسلم الشيخ عمله في حفلة حافلة
ومن هذا الباب قصة الشيخ علي كزبر، وقد كان خياطاً في سوق المسكية على باب الجامع