وانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي فساء ذلك العماديين وآلمهم، فتربصوا بالشيخ وأضمروا له الشرّ، ولكنهم لم يجدوا إليه سبيلاً، فقد كان يحيا من عمله، ويحيا الناس بعلمه، وكان يمر كل يوم بدار العماديين في (القيمرية) وهو على أتان له بيضاء، فيسلم فيردون عليه السلام، فمر يوماً كما كان يمر، فوجد على الباب أخا للمفتي، فردّ عليه السلام، وقال له ساخراً:
- إلى أين يا شيخ! أذهب أنت إلى (اسطبول) لتأتي بولاية الإفتاء؟ وضحك وضحك من حوله، أما الشيخ فلم يزد على أن قال:
- أن شاء الله!
وسار في طريقه حتى إذا ابتعد عنهم دار في الأزقة حتى عاد إلى داره، فودع أهله، وأعطاهم نفقتهم، وسافر!
ومازال يفارق بلداً، ويستقبل بلداً، حتى دخل القسطنطينية فنزل في خان قريب من دار المشيخة، وكان يجلس على الباب يطالع في كتاب، أو يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيه أنه عربي فيحترمونه ويجلونه، ولم يكن الترك قد جنوا الجنة الكبرى بعدُ. . . فكانوا يعظمون العربي، لأنه من أمة الرسول الأعظم الذي اهتدوا به، وصاروا به وبقومه ناساً. . .
واتصلت أسباب الشيخ بأسباب طائفة منهم فكانوا يجلسون إليه يحدثونه، فقال له يوماً رجل منهم:
- إن السلطان سأل دار المشيخة عن قضية حيرت علماءها ولم يجدوا لها جواباً، والسلطان يستحثهم وهم حائرون، فهل لك في أن تراها لعل الله يفتح عليك بالجواب؟
قال: نعم
قال: سر معي إلى المشيخة
قال: باسم الله
ودخلوا على ناموس المشيخة (سكرتيرها)، فسأله الشيخ إسماعيل عن المسألة فرفع رأسه فقلب بصره فيه بازدراء، ولم تكن هيئة الشيخ بالتي ترضى، ثم ألقاها إليه وانصرف إلى عمله، فأخرج الشيخ نظارته فوضعها على عينه فقرأ المسألة ثم أخرج من منطقته هذه