العلم، ويعلمه مهنة يتكسب منها، فما في العلم نفع، ولا منه فائدة. . . ويلحان عليه ويلازمانه، حتى ضجر فصرفهما فكان من ولده هذا، الأستاذ كرد على أبو النهضة الفكرية في الشام وقائدها، ووزير معارف سورية ومفخرتها، والذي من مصنفاته: خطط الشام، وغرائب الغرب، والقديم والحديث، والمحاضرات، وغابر الأندلس وحاضرها، والإدارة الإسلامية، والإسلام والحضارة العربية. . . والمقتبس. . . ومن مصنفاته:(المجمع العلمي العربي بدمشق)، ومن مصنفاته هؤلاء:(الشعراء والكتاب من الشباب)!
ولعل في الناس كثيرين كانوا لولا الاحتكار والتثبيط كابن عابدين أو ككرد علي. وهاهو ذا العلامة المرحوم الشيخ سليم البخاري مات وما له مصنفٌ رسالة فما فوقها، على جلالة قدره، وكثرة علمه، وقوة قلمه، وشدة بيانه؛ وسبب ذلك أنه صنف لأول عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق، كتبها بلغة سهلة عذبة، تنفي عن هذا العلم تعقيد العبارة، وصعوبة الفهم، وعرضها على شيخه، فسخر منه وأنبه، وقال له:
أيها المغرور! ابلغ من قدرك أن تصنف، وأنت. . وأنت. . ثم أخذ الرسالة فسجر بها المدفأة. . فكانت هي أول مصنفات العلامة البخاري وآخرها!
وقد وقع لي أنى كنت في المدرسة وكنت أحاول أن أنظم الشعر، فآخذ أبيات قديمة فأغير قوافيها، وأبدل كلماتها، وأدعيها لنفسي، كما يفعل اليوم بعض الأدباء (الترجمة) حين يترجمون الكلمة الإنكليزية أو الفرنسية حتى إذا بلغوا التوقيع ترجموه هو أيضاً، فكانت ترجمة أسم المؤلف أو الكاتب اسم الترجمان أو (السارق)! وكان الكتاب أو الفصل المترجم من وضع أديبنا البارع. . .
كنت أنظم أبياتاً من الشعر أو اسراقها، كما ينظم كل مبتدئ ويسرق، حتى إذا اجتمع عندي كثير من القطع، عرضته على أستاذ العربية، وكان لسوء الحظ تركياً يسمى إسماعيل حقي أفندى، يعلمنا النحو العربي باللسان التركي! فلما قرأه سخر منى وسبني وتهكم علي، وجاء من بعد أخي أنور العطار - فنظم كما كنت أنظم حتى إذا اجتمع عنده كثير من القطع، عرضه على الأستاذ كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي، فأقام له حفلة تكريمية!
فكانت النتيجة أنى عجزت عن الشعر، حتى لنقل البحر بفمي أهون علي من نظم خمسة أبيات، وأن أخي أنور العطار غدا شاعر الشباب السوري، وسيغدو شاعر شباب العرب!