الشهرة والمكانة، تدفعها كلمة التشجيع حتى تمضى إلى الأمام وتقعد بها كلمة التثبيط عن المسير
وإن من أظهر الأسباب في ركود الأدب في الشام في القرن الماضي، وانقطاع سبيل التأليف، هو فقدان التشجيع، وذلك (الاحتكار العلمي) الذي قتل كثيراً من النفوس المستعدة للعلم، وخنق كثيراً من العبقريات المتهيئة للظهور، فقد كان العلم في الشام مقصوراً يومئذ على بيوت معروفة، لا يتعداها ولا يجوز أن يتعداها، هي: بيت العطار، والحمزاوي، والغزي، والطنطاوي، والشطي، والخاني، والكزبري، والاسطواني، والحلبي. . . وكانت كلها متجمعة حول المدرسة البادرائية؛ في القميرية والعمارة، وزقاق النقيب، حيث يسكن الأمير العالم المجاهد عبد القادر الجزائري رحمه الله عليه وعليهم؛ وكان لهذه البيوت كل معاني الامتياز و (الاحتكار العلمي)، فإذا سمع أن شاباً أشتغل بالعلم من غير هذه البيوت، وقدروا فيه النبوغ، وخافوا أن يزاحمهم على وظائفهم الموروثة، بذلوا الجهد في صرفه عن العلم، والعدول به إلى التجارة؛ أو ليست الوظائف العلمية وقفاً على هذه البيوت؟ أو ليس للولد ولاية العهد في وظيفة أبيه، تنحدر إليه الإمامة أو الخطابة أو التدريس عالماً كان أو جاهلاً، فكيف إذن يزاحمهم عليها أبناء التجار، وهم لا يزاحمون أبناء التجار على (حوانيتهم)؟ أولا يكفي أبناء التجار هذا القسط الضئيل من النحو والصرف والفقه والمنطق الذي يمن به عليهم هؤلاء العلماء؟. . .
حتى إنه لما نشأ محمد أمين (ابن عابدين) وأنسوا منه الميل إلى العلم، وعرفوا فيه الذكاء المتوقد، والعقل الراجح، خافوا منه فذهبوا يقنعون أباه - وكان أبوه امرأً تاجراً - ليسلك به سبيل التجارة، ويتنكب به طريق العلم، وجعلوا يكلمونه، ويرسلون إليه الرسل، ويكتبون إليه الكتب، ويستعينون عليه بأصحابه وخلصائه، ولكن الله أراد بالمسلمين خيراً، فثبت الوالد فكان من هذا الولد المبارك، ابن عابدين صاحب (الحاشية)، أوسع كتاب في فروع الفقه الحنفي
بل لقد أرادوا أن يصرفوا أستاذناً العلامة محمد بك كرد علي عن العلم، فبعثوا إليه بشقيقين من آلـ. . . بشقيقين قد ماتا فلست أسميهما، على رغم أنهما قطعاً عن العلم أكثر من أربعين طالباً - فمازالا بأبيه - ولم يكن أبوه من أهل العلم - ينصحانه أن يقطعه عن