للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

برومثيوس مُكبلاً بالأصفاد، مُلطخاً بالوحل؛ وعبثاً حاول الدفاع عن نفسه؛ ثم حُكم عليه فسيق إلى جبال القوقاز، حيث غُلَّ عنقه الضخم وذراعاه الكبيرتان، وفخذاه اللتان تزريان بفخذي فيل، في قنَّةٍ عالية. وسخَّر الإله الأكبر رُخَّا عظيم الجثة، حاد الأظافر، كبير المنسر، فذهب إلى حديث برومثيوس، ينوشه، ويمزق جسمه، وينفذ أظافره ومنسره في أحشائه حتى تبلغ الكبد، فيهرأه ويطعمه حتى يأتي عليه، وينصرف إلى غد.

فإذا كان الليل، وهبّت الريح سجسجاً، التأمت جراحات الإله المسكين، وخلق له كبدٌ آخر؛ وينام حتى تشرق الشمس، فيعود الرخ ليبدأ ما انتهى منه أمس، وليأخذ في تعذيب بروميثيوس التعّس، إلى تغيب ذكاء!! وهكذا دواليك، أحقاباً وأحقاباً. . .

ويلبث الإله المنكود في هذا العذاب الطويل حتى يلقاه هرقل الجبار في أحد أسفار، فتثور الشفقة في قلبه، وينقض كالصاعقة على الرخ، ولا يتركه حتى تزهق روحه، بعد صراع عظيم، ثم يفك أغلال بروميثوس ويحرسه، حتى يقبل الليل فيشفى مما يه، ويسير بين يديه حتى يبلغ أوطانه، حيث عباده الصالحون!!

وفرح الناس بإلههم وسروا بقائه، وقدروا ما ألقى في سبيلهم ومن أجل سعادتهم فعنوا له وأخبتوا.

وكانوا يحيون في بًلهنيةٍ، غارِّين في طراوة من العيش، وسعةٍ من الرزق، هواؤهم رخاء وماؤهم صفاء، لا يشكون متربةً ولا يعرفون ضنكاً، ولا تلم بهم ملمة من مرض أو رجسٍ.

ولم يعرفوا الموت، ولم يدروا ما البكاء، فكأنما كانت حياتهم طوبى، ونعيماً مقيماً.

وعلم زيوس ما كان من أمر بروميثيوس وفرح الناس بأوبته إليهم، فغيظ غيظاً شديداً، وآلى ليكيدن لهم كيداً، وليرسلن عليهم من مكره ما لا طاقة لهم به. . .

ونظر زيوس فرأى أنهم مخلوقون على صور الآلهة، ولكنهم كلهم ذكران، (ومن الآلهة أنثيات، فلم لا أصنع لهم أنثى تذهب بحرثهم ونسلهم، إن صح أن يكون لهم نسل؟. . .)

وأرسل دعوةً عامة إلى جميع الآلهة فسعت إليه من كلُّ فج عميق، وأخذ يحدثهم حديث بروميثيوس، ثم أخبرهم أنه يريدهم أن يخلقوا له أنثى جميلةً يودع فيها كلُّ منهم سراً من أسراره: (لأنني سأرسلها هدية إلى هذا المجنون بروميثيوس ليشهد بعينيه ماذا تصنع بعبادة الذين خلق. . .).

<<  <  ج:
ص:  >  >>