فسألها الضيف مستغربا - ولكن كيف تفسرين هذه السعادة وأنت على هذه الحال من العوز والإملاق؟؟ فردت عليه قائلة - من الناس من يعتقد أن السعادة في المال والجاه، ولقد دلت التجارب على عكس ذلك، فعندما كنا من الأغنياء والوجهاء كانت لي وزوجي من المشكلات والتبعات ما لا نجد معها وقتا للتحدث أو التفكير في نفسينا والصلاة لخالقنا. فيوما يزورنا زائر، وعلينا أن نفتن في مرضاته كي نسكت لسانه عن الطعن في كرامتنا والحط من قدرنا. ونحن دوما في خصام مع الأجراء والعمال. . هم يتبادلون في عملهم ويطلبون أحسن الطعام، ونحن ننقص من أجرهم ونستغلهم إلى أبعد ما يمكن، وفي هذا خطيئة أية خطيئة. . هذا عدا تخوفنا الدائم من أن تفترس الذئاب ماشيتنا أو يسرق اللصوص خيلنا أو أن ترقد الأغنام على صغارها فتقتلها. . كنا في خوف دائم وقلق مستمر، لا نسوي مشكلة حتى تبرز لنا مشكلة أخرى. وفوق هذا وذاك كنت أنا وزوجي في خلاف مستحكم. . له رأيه ولي رأي نتمسك به ولا نحيد عنه، فنتخاصم ونتباعد، ونتردى في مهاوي الخطيئة من حين لحين. . أما الآن فأنا نستهل يومنا بكلمة حب ووفاء، ونقضي نهارنا في وئام وصفاء. . وليس هناك ما يشغل بالنا سوى مرضاة سيدنا على أحسن وجه، فنعمل قدر طاقتنا بعزيمة وإخلاص، وهدفنا أن نعود على سيدنا بالخير والفائدة. . وإذا ما عدنا من عمل يومنا وجدنا شرابا سائغا وطعاما شهيا، وإذا ما أوينا إلى فراشنا تحدثنا قليلا وصلينا طويلا. .
خمسون عاما قضيناها نبحث عن السعادة وقد وجدنا اليوم في حالتنا الراهنة. إن راحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام. .
وضحك الضيوف وقهقهوا. . فالتفت إلياس إليهم وقال - لا تضحكوا أيها السادة، إذ ليس هناك ما يدعو إلى الضحك، لقد كنت أنا وزوجي أحمقين، فبكينا ضياع ثروتنا وندبنا ذهاب عزنا. أما الآن فقد فتح الله أعيننا على الحقيقة المضاءة، فحسبنا لزفرات وكفكفنا الدمع هذه هي حقيقة الحياة، وقد سقناها إليكم لا عزاء لنفسينا، وإنما عظه لكم أن كنتم تتعظون
فقال أحد الضيوف - هذا لعمري هو الصدق مجردا، ولقد ورد مثل هذا القول الحكيم في الكتب السماوية المنزلة. فأمسك الجميع عن الضحك. وغرقوا في لجة من التفكير العميق