هدأ من روعه أن معبودته الفاتنة انتزعت من رأسه فكرة الإحجام عن السفر إلى الخارج. . . وفتحت أمامه باب الأمل على مصراعيه. إن حمدي يذكر جيداً تلك الليلة، ليلة السفر، وإن شيئاً هاماً ليظل عالقاً بذهنه حتى الموت. . . إنه اللحن الخالد، لحن الوداع، الذي وضعناه معاً وهما سابحان في رحلة حالمة بين أطباق نفسيهما العليا وأغوارهما المتباعدة. . .
وإنه ليذكر أيضاً تلك الرسالات المعطرة التي كانت تبعث بها إليهفي بلاد الغرب، تطمئنه أن قلبها لن يسع إنساناً غيره، وأنها قد أغمضت عينيها عن جميع شباب هذا الجيل. . .
عاد حمدي إلى أرض الوطن. بلد الحبيب مزهواً بما ناله من علم. ومال ينتظره من سعادة. . .
وصارح والده برغبته في الزواج من ميرفت فوافق على الفور.
وشهدت القاهرة ليلة من ليالي العمر، تزوجا فيها، وبلغا أقصى أمانيهما. . .
وانقضت سنة أنجبا فيها طفلاً. . .
وجاء اليوم المشؤوم الذي جاءته فيه الرسالة. . .
إن موزع البريد لم يخطئ حين أعطاه إياها برغم أنها مكتوبة بعنوان زوجه. كل الذي يدركه أن القدر أراد أن يمنحه الفرصة السانحة لينتقم لشرفه المثلوم الذي كان يقدسه ويقدره. . .
ترى. . . إلى أي مدى وصلت علاقتها (بصلاح) هذا الذي ذيل الرسالة باسمه القذر، والذي سوف يمحى من قائمة الأحياء بعد قليل؟
وما كنه هذه العلاقة؟ وكم من الآدميين أدركوا أنه زوج غافل مخدوع؟ وأيقظه من غفوة أفكاره قرع خفيف على الباب الخارجي. . . فيه خوف واضطراب. . .
فانفجر بين خواطره بركان هائج ثائر يقذف بالحمم. وأدرك لتوه أن الساعة قد اقتربت، وأن الموعد المضروب قد أتى به ركب الزمن. . .
وزاد من يقينه وقع خطوات مرتجفة اندست إلى مخدع الزوجية المدنس. . .
وابتدأ حبل الشيطان يلتف حول جسده. . .
واستولت عليه قوة مفاجئة جعلته يخطو إلى الردهة في تباطؤ وحذر. . .