للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لحظات اندفع فيها إلى أركان الماضي البعيد القريب. . . ومن ثم تراءت له أحداث ووقائع راحت تتدفق على ذهنه المكدود حتى انتهت به إلى سعير تلك الخيانة المخيفة. . .

كان طالباً بالسنة النهائية بكلية الطب حين برزت في حياته (ميرفت) و (ميرفت) مثال خلاب من الفتنة الطاغية يتمثل في وجهها سحر الشرق العنيف، وجمال الغرب الفتان، ذات عينين عميقتين زرقاوين، وشعر كأسلاك الذهب، ينسدل في تماوج على عنق من العاج، تزهيه بشرة كأنها المرمر. . .

وكان صاحبنا قد قرأ فيما قرأ مقطوعة شعرية رائعة للشاعر الفريد دي موسيه يصف فيها محبوبته. . . فكمنت في أعماقه تلك الصورة الشعرية، وتأثر بها أيما تأثر، فبات يحلم بفتاة أي فتاة، يرى فيها خياله وحلمه. . .

ولم يتردد في حب ميرفت حين وجدها على الصورة البارعة التي خلقها في ذهنه الشاعر الفرنسي، وكأنها هي الأخرى شعرت بما يحمله لها بين حنايا ضلوعه، فكانت إذا قابلته عند ذهابه وإيابه من الكلية - تتضرج وجنتاها وتغض من بصرها. . .

أما حيلته هو في هذا لحب فكان يستلقي على فراشه ليستعيد الدقائق التي مرت بهما في مقابلة عابرة. . . ويجنح إلى الخيال العريض، ويودع طيات حبه أمنيات كثيرة، ويشيد عليه كثيراً من أهداف مستقبله، وتعددت، المقابلات. . .

وارتفعت درجة حرارة هذا الطارئ الجديد. . .

من نظرة مختلسة بادئ الأمر، إلى كلمات تنقصها بعض الجرأة، إلى رسائل الغرام الملتهبة، حتى التقيا في خلوة هادئة بعيدة عن أنظار الفضوليين. . .

في الحدائق، وعلى شاطئ النيل، تبادلا أعذب ألفاظ الحب والهيام. . .

ووسط تلك العاصفة الفياضة. . . ارتبطا معاً بوعد الزواج. . .

وحصل حمدي على إجازته الجامعية. . . ولتقدمه البين كان من الطلبة الذين حازوا شرف إيفادهم إلى الخارج. . .

لم يسر لتلك المنحة الجامعية التي تعده بمستقبل زاهر، بل ظن أن الدهر يريد أن يحرمه سعادته ـ وإذا كان القدر ينقل خطانا كيفما يعن له. . . وما نحن إلا دمى ضئيلة تترنح تحت معوله - فلا ضير عليه أن يدخل بأنفه ليبدد الحلم الذي تحقق أو كاد. بيد أن الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>