استنتجناه من دراستنا لنفسيته خلال المدة التي قضاها بيننا مدرساً للغة العربية في كلية دار المعلمين في القدس، فكانت نتيجة الدراستين الجزم بأن سر قوة الرصافي في شعره وفي شخصيته هو الإيمان.
آمن الرصافي بحق الأمة العربية في الحياة الحرة، وآمن بأن الوسيلة إلى هذا الحق هو القوة. فانفجرت نفسه بهذه القوة شعراً قوياً يولد به القوة في نفس الأمة العربية لتأخذ بها حقها في الحياة الحرة. انفجرت نفس الرصافي بشعر القوة على اختلاف أنواع القوة. فالعلم قوة تتخذ منه الأمم التي تطلب الحياة وسيلة للحياة. وما دام العلم قوة فله من شعر الرصافي نصيب وافر. فهذه قصائده الكونيات والاجتماعيات تقوم على أحدث نظريات العلم وأصح قواعد الاجتماع. ترى فيها شروحاً لوحدة المادة، والجاذبية، والأثير، والكهرباء، وأشعة رنتجن وآراء دارون في النشوء والارتقاء وتنازع البقاء وبقاء الأنسب، ومذهب ديكارت في التوصل إلى اليقين بالشك، ومبادئ الاشتراكية في أن تكون للعامل حصة في إنتاجه
تركوا السعي والتكسب في الدنيا ... وعاشوا على الرعية عالة
يأكلون اللباب في كد قوم ... أعوزتهم سخينة من نخالة
يتجلى النعيم فيهم فتبكي ... أعين السعي في نعيم البطالة
ليس في هذا المذهب الاشتراكية إلا في الأمور المحالة وإصلاح الوسط العربي من الناحية الاجتماعية، أليس فيه قوة للأمة توصلها إلى الغاية المرجوة في الحياة؟ إذن فللإصلاح الاجتماعي على اختلاف أنواعه في الوسط العربي حظ كبير في شعر الرصافي. فهذه قصيدته (المطلقة) يصف بها ويلات الطلاق ومآسيه على المرأة المسلمة، وينتقد بقوة توقيع الطلاق لا سيما إذا كان وقوعه بغير قصد الطلاق. وهذه قصيدته (اليتيم في العيد) تفيض رحمة وحناناً على الضعفاء. وقوة وشدة على من يقف من العرب موقف العجز والذل ويصيح فيهم: -
نهوضاً إلى العز الصراح بعزمة ... تخر لمرساها الطغاة وتركع
إلا فاكتبوا صك النهوض إلى العلا ... فإني على موتي به لموقع
والنساء؟ ألسن نصف الأمة؟ فكيف يمكن للأمة العربية أن تصل إلى هدفها ونصفها مشلول؟ إذن فلتحرير المرأة العربية في شعر الرصافي مطارق قوية هائلة يهوي بها على