ويقص علينا التاريخ مرة أخرى أن عمر كان قد حدد يوما ليقسم فيه الغنائم على المسلمين، وحين أقبل اليوم المرتقب تجمع الناس من حوله وازدحموا عليه، حتى لم يبق مكان لقدم. ونظر عمر إلى رجل يدفع الناس بمنكبيه ويشق طريقه في عنف حنى بلغ موضعه من الطليعة، وكان هذا الرجل هو سعد بنأبيوقاص، سعد الذي كان أول من رمى بسهم ي سبيل الله، والذي فداه النبي بأبويه يوم أحد، والذي رآه مقبلات ذات يم فأشار وقال لمن حوله: هذا خالي. سعد هذا رآه عمر يزاحم الناس يوم تقسيم الغنائم فلم يكن منه إلا أن علاه بالدرة وهو يصرخ في وجهه: لم تهب سلطان الله فيالأرضفأردت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك!!
ويقص علينا التاريخ مرة ثالثة وما أكثر ما يروى لنا التاريخ من أبناء عمر، يقص علينا أن عبد الرحمن بن عوف قد أقبل يوما على الجبار العادل ومعه فتى من بنية قد لبس قميصاً من حرير، فينظر إليه عمر غاضباً ويقول له: ما هذا الذي أراه يا ابن عوف؟ لباس من حرير وابن الخطاب قائم على أمر هذه الأمة؟ ثم يدخل يده في جيب القميص فيشقه إلى أسفل. . ويقول له عبد الرحمن وقد أذهلته المفاجأة: ألم تعلم أن رسول الله (ص) قد أذن لي في لبس الحرير؟ فيجيب عمر مصدقاً منكر لمن عداه: بلى! لحلكة شكوتها. . أما لبنيك فلا!!
وهكذا كان عمر حيال الأرستقراطية القرشية. يريد أن يسوى بين قريش وبين غيرها من العرب في كل شأن من شؤون الحياة، فلا فضل ولا تفوق ولا امتياز، ولا شيء يمكن أن يفرق بين الناس في مظهر من المظاهر ولا في قيمة من القيم ولا في حق من الحقوق. ولهذا أدار دفة الحكم كما سبق أن قلت، بما عرف عنه عبقرية القائد وحنكة الحاكم وكياسة المدير. . وبقيت حقيقة نقف من هذه المقدمات المادية موقف النتيجة النفسية، وهي أن تلك الكبرياء المقهورة في نفوس قريش قد تنفست الصعداء بعد موت عمر، فانطلقت في عهد عثمان كما تنطلق الأسود السجينة قد أفلتت من قبضة السجان. ووقعت الفتنة التي كان يخشاها الحاكم الفيلسوف، وهي أن يخلى بين قريش وبين ما تطمع فيه من سيطرة على العرب، وما تطمح إليه من تحكم في رقاب الناس؛ وقعت الفتنة التي أودت بعثمان فيما