وذلك في القصيدة التي مطلعها
قل لليتيم تبدل الأمر ... والعسر أصبح بعده اليسر
مصر التي فيها لكل ندمي ... ولكل يوم في الندى ذكر
مصر التي في كل ناحية ... للمكرمات بسوقها سعر
مصر التي لقديم نهضتها=يعزى النجار وينتهي الفخر
مصر التي دامت مطالعها ... حسبي وحسبك أنها مصر
المهرجان بمصر قد طربت ... وتمايلت أعلامه الخضر
والازبكية في خمائلها ... شعر وبين رياضها سحر
ولا نود أن ننبه إلى المصرية الواضحة في هذا الشعر، والأزبيكة شاهد على ذلك، مما يدل على تمييز الشاعر عن غيره من شعراء العرب، ولكننا نحب أن نذكر أصادق هو في إحساسه أم لا، أحقاً أن في مصر قوماً يحرصون على راحة اليتيم؟ فإذا أراد أن يماري في هذه الحقيقة، فلينظر إلى طرقات القاهرة وشوارعها ليرى الأطفال العراة الحفاة قد شردتهم الأيام وعصف بهم الزمان حتى ليندي الجبين خجلاً من مشاهدتهم فأين رجال مصر وأغنياؤها، وكيف تبدل الأمر فأصبح من بعد عسر يسرا؟
لكنه الشعر، وقد صدق الله تعالى حين قال في محكم التنزيل (والشعراء يتبعهم الغاوون) فالشعر يؤثر في القلب بما فيه من موسيقى وخيال، ولكنه يبتعد عن الواقع، ولذلك أضاف القدماء كتاب الشعر إلى المنطق وعدوه من جملة السفسطة. ونحسب أن النظرة الحديثة إلى الشعر قد تغيرت، على الأقل في أوربا، وينبغي أن تغير في مصر، وهذا واجب الشعراء.
أما باب الرثاء فقد جمع بين دفتيه قطرات من الدموع سكبها الشاعر على كثيرين من أعلام مصر في هذه الحقبة الأخيرة. بدأها بقصيدة في رثاء الأمير كمال الدين حسين استهلها بقوله.
يعز على المروءة أن تصابا ... وأن نلقي على يدك المصابا
وهو مطلع بارع، وقد برع عبد الغني في الاستهلال، ولكنه مطلع يصلح في رثاء أي إنسان، ولا يختص به الأمير وحده.
ومن براعة الاستهلال قوله في رثاء حسن صبري باشا رئيس وزراء مصر توفي في