موسيقى، بل الشعر موسيقى، ولكننا نعيب عليه أنه أشبه بالموسيقى البدائية التي تنظر إلى الإيقاع المنتظم، مع تكرار المقطع الواحد، ولذلك قيل عن الشعر إنه (نظم). أما الموسيقى الواقعية، فإنها لا تكتفي بتكرار نغمة واحدة، بل تجمع بين عدة نغمات قد تكون كل واحدة منها غير مشجية ولكن يخرج من ائتلافها موسيقى فيها حلاوة وسمو. وهذا عيب الموسيقى الشرقية على الإطلاق، وهو عيب الشعر العربي كذلك. ولذلك لم تظهر في الشعر العربي (الملحمة) الطويلة التي تمثل الحياة كالإلياذة والأوديسا. ولذلك أيضا يمل القارئ والسامع إذا طالت القصيدة لأنها من بحر واحد.
ولما كان الشعر أعلى صور البيان، فينبغي أن يصان فلا ينزل إلى معترك الحياة العادية المألوفة، وإلا كان الشعر نظما لمعان لا ترتفع إلى مقام الخلود. ولذلك كان من الغريب أن يسخر عبد الغني موهبته الشعرية في وصف كل مناسبة، ولم يكن الحال كذلك بالنسبة لأمراء الشعر في الجاهلية. فقد قيل إن زهيراً كان ينظم القصيدة في عام، ولذلك سميت بعض قصائده بالحوليات. وقد رأيت هذا المذهب الجديد، أعني نظم كل معنى يخطر بالبال، عند (أبو شادي) الذي هجر مصر إلى أمريكا، ولم يلق مذهبه ما يريد من نجاح.
وأنت ترى في هذا الديوان عدة قصائد في الفتاة المصرية، أولها نظمت للسيدة درية شفيق حينما أحرزت ليسانس الدولة في الآداب من جامعة باريس سنة ١٩٣٢ استهلها بقوله:
أديبة قد نجحت في الأدب ... وبلغت في العلم أعلى الرتب
واتصلت فيه بأقوى سبب ... وغامرت وشمرت في الطلب
بين الدراسات وبين الكتب ... وحازت السبق فيا للعجب
إلى أن قال في نفس القصيدة
مصرية تطير فوق السحب ... تشق متن الريح يا للعجب
فأنظر كيف تعجب مرتين في قصيدة واحدة!
وجاء في قصيدة له عن السيدة زينب كامل وهي أول معيد بالجامعة المصرية نشرها عام ١٩٣٠
عجبت لنيلك تلك العلوم ... وصبرك في نيلها أعجب
ومن قصيدة للسيدة فاطمة فتحي بمناسبة نجاحها في شهادة علم النبات من جامعة إنجلترا