للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإعجاب فاتجهت إليها عواطفه. إن أي أحداً منا - في الثلاثين - لا يؤاخذ على سلوكه الخاطئ. . . إن الملوم وحده تلك القوة المجهولة التي رتبت مجريات الحياة في صور متنافرة الألوان. أفلم يكن بوسعها أن تحمل بدور على الوقوع في غرامي بدلاً من التعلق بشاب غريب؟! لو حدث هذا لما اضطر أي أحد منا إلى سلوكه الخاطئ، فأنا ابن عمها ولا ضير عليها إن حاولت أن تستولي على عواطفي بأية طريقة كانت، أما أن تحاول اجتذاب شاب غريب ونحن في مجتمع يتزعم القيم الاجتماعية فيه والشرف الجنسي، فهذا هو الخطأ عينه، ولكن هكذا تريد تلك القوة الساخرة.

وظلت الشمس تشرق في الصباح وتغيب في المساء وحياتنا مدثرة بجمودها الكئيب، إلى أن حلت تلك الساعة، وكانت الشمس قد تأهبت للمغيب وبساط السماء الأزرق قد صبغ بحمرة قانية، أشبه بساحة معركة خضبت بدماء المتقاتلين، وكنت أذرع السطح بخطوات متمهلة وبين يدي كتاب أحاول القراءة فيه، في حين انكبت بدور على عملها وهي تتحرك في صمت وجمود كأنها آلهة صماء. وفجأة، وبدون أن أصدق عيني، رأيت مهدي يظهر في موضعه على السور! وتسمرت قدماي في موضعهما وانطلقت أحدق فيه مذهولاً كأنني أشهد حدوث كارثة مروعة لا تدخل في نطاق التصور، ومضى هو يرمقني بنظرات تفيض بالتحدي والازدراء وعلى ثغره ابتسامة احتقار! وجف حلقي حتى تعذر علي أن أبتلع ريقي، وشحب وجهي حتى أخاله بات بلون التراب. وهبت بين جوانحي عاصفة تزأر بالحقد والخيبة والقنوط، وطفت علي رغبة جارفة بتحطيم شيء ما أياً كان!

ثم حولت أنظاري إلى بدور فإذا هي مسمرة في مكانها وهي تحدق في السور منتشية سكرى كأنها في وادي الأحلام لا في عالم الحقيقة، وكان وجهها قد شع بنور ألاق فبدا رائقاً صافياً كسماء الشتاء المدلهمة حين تنقشع عنها الغيوم. ومكثت جامداً في موضعي وأنا أنقل النظر بينها وبين مهدي بفكر تائه وعواطف صاخبة.

ثم بدأت المناظر تختلط أمام عيني ولم أعد أميز ما يجري حولي بوضوح. رأيت بدور تتحرك من موقفها وتنتقل في ساحة السطح بحركة رشيقة كالرقص وعيناها موصولتان بعيني مهدي. ثم اتجهت فجأة نحو السياج المنخفض المشرف على الدار وانحنت عليه، وجن جنوني في تلك اللحظة حين تراءى لي مهدي يتلقفها بين ذراعيه ويغمر وجهها

<<  <  ج:
ص:  >  >>