تتهمني بإقصاء مهدي. . كانت كل حركة تبدو منها تعلن ذلك الاتهام في صراحة صارخة وكنت أقرأ ذلك الاتهام في عينيها واضحاً سافراً في الأيام الأولى حين كانت تهرع إلى السطح ساعة العصر في لهفة لا تعد لها لهفة الأم وهي تخف لاستقبال ولدها الغائب، وتقف حيال سور المنزل المجاور ترنو إليه بعيون حائرة ساهمة والأسى ينضح من ملامحها. ثم تحول إلي أنظارها لأطالع فيها اتهامها المغلف بالغيظ والمقت والازدراء، كما لو كنت أقرأه في كتاب.
لكنها لم تلبث طويلاً حتى حرمتني من آخر أثر كان يشعرني بصلتي بها فكفت عن مطالعتي بنظراتها الساخطة. ماذا دهاك يا بدور، ماذا دهاك؟! أفيستأهل ذلك الصبي الأخرق الذي لم يكن ليتجاوز مراتب الطفولة كل هذا الحب والهيام؟! أفمن العدل أن يؤدي بك خبثه إلى كراهيتي وأنا الذي رعاك بحبه وحنانه منذ أن وطئت قدماك أرض الدار؟!
وعدت أتمنى أن تحدجني بدور بنظراتها الفياضة بالبغض والازدراء. . . أجل، فقد أصبحت تواقاً إلى أن أحس لنفسي وجوداً في دنياها بأي شكل كان! ولكن ذلك الصمت، وذلك الجمود، وذلك التجاهل. يا إلهي، ليس في طوقي أن أحتمل هذا كله.
وراحت تتحاشى مواضع وجودي في إصرار عجيب، ومضت تتجنب النظر إلي في عناد غريب! ولبثت حائراً معذباً في زحمة العواطف التي تتصارع في نفسي تجاه سلوكها الفظيع. تارة أحس بالغيظ والحقد حين يخطر في ذهني أن صبياً خبيثاً كمهدي استطاع أن يثير في نفسها تلك الزوبعة المروعة. وطوراً استشعر حزناً عميقاً حين أتمثلها تدب في ساحة الدار في تخاذل والصمت والكآبة والذهول تدثرها بغطاء كثيف. وحيناً تسعر بين جوانبي نيران ثورة مكتومة على تلك القوة المجهولة التي تسير أحداث الحياة وتجد اللذة في معاكسة الإنسان وكانت تلك الثورة تخفف عن كاهلي عبء ما أحسه من كراهية واحتقار لنفسي بسبب قسوتي على بدور، إذ تدعوني إلى تبرير سلوكي وسلوك بدور ومهدي وإلقاء التبعة كلها على القوة المجهولة. . . إنني لست ملوماً على تصرفي هذا فأنا مرغم على اتباعه. . . يجب أن أدافع عن شرف الأسرة تجاه أي محاولة لثلمه، وبدور ليست ملومة على سلوكها فهي تحب مهدي. . . ما ذنبها إذا كان قلبها قد هفا إلى ذلك الشاب؟! ومهدي ليس ملوماً على غرامه ببدور. . . لقد عثر على فتاة كاملة الجمال تبادله