لمجراه، وسمها إن شئت ذلك الامتداد الأخير لخط الاتجاه النفسي في الصورة الرئيسية؛ تلك التي تتشابك في داخلها بقية الخطوط الأخرى لتمضي بعد ذلك مجتمعة في خط واحد كبير:
صغته صوغ عاشق يعشق الفن ويسمو لكل معنى دقيق
وتنظرته حياة، فأعياني دبيب الحياة في مخلوقي!!
ولقد طالت المقطوعة الثانية حتى بلغت سبعة عشر بيتا من الشعر. إنها أطول المقطوعات وأحفلها بتنوع السبحات والرؤى والأطياف. . . ولو رحت تتقصى أثر التصميم الداخلي في بناء العمل الفني لانتهيت إلى أن هذه المقطوعة يجب أن تطول؛ ذلك لأنها بمكان القلب الذي ينظم حركات النبض في مختلف الشرايين الشعرية في المقطوعات الثلاث!
ولا تنتظم المقطوعة الثالثة من الشعر غير سبعة أبيات، لأن النفس الإنسانية تمر هنا بلحظة من لحظات الهزيمة التي تترك في أعماقها ذلك الخور المتخلف عن آثار اليأس والقنوط، وفي غمرة هذا الشعور المظلم لا يتسع المجال لغير الزفرة المحرقة التي تغنى فيها فور العواطف عن وفرة الصور وتعدد اللمحات. . . ولعلك تحس لفح هذه الزفرة في تهدج النفس الشعري عندما يهتف الشاعر في البيت الأول من هذه المقطوعة:
معبدي! معبدي! دجا من الليل إلا ... رعشة الضوء في السراج الخفوق
أو في ذلك البيت الذي يمهد به لما يليه:
ليلتي! ليلتي جنيت من الآ ... ثام حتى حملت ما لم تطيقي!
ومرة أخرى تهزك العلاقة النفسية بين الألفاظ في البيت الثاني والثالث والرابع من هذه المقطوعة: لقد (زأرت العواصف) و (قهقه الرعد) و (التمع البرق) و (تدفق السيل) و (احتوى التمثال الجميل سارب الماء). . .
ومن وراء هذا كله يقف الأداء النفسي على قدميه ليثب وثبته الأخيرة حين يصف التمثال (بالشهيد الغريق)!!
وتتفق المقطوعة الأخيرة مع المقطوعة السابقة اتفاق قيم ومقاييس، ولكنها تصور ختام المعركة بين الوهم والحقيقة أو بين الخيال والواقع. وويح أبناء الخيال من كل معركة تنشب داخل النفس ويكتوي بنارها القلب وتمتلئ بغبارها العين، وتنجلي حين تنجلي عن