شدت يد الفولاذ حول نطاقها ... حلقاً تصيح النار: كيف أذيبها؟
وقد تآخت في هذه القصيدة قوة التركيب وقوة الروح، فطابقت بذلك موضوعها الخماسي. ومما يستدعي الالتفات أن بنيانها القوي لم تتخذ لبناته من القوالب المرددة التي يلجأ إليها شعراء الجزالة. وأقول صادقاً، أو أعتقد أنني صادق إذا أقول: إن قصيدة (موكب الأبطال) من القليل في أدبنا المعاصر الذي يجمع بين الديباجة العربية المتينة التي يظهر أثر الشاعر في نسجها وبين نهيج المدرسة الحديثة في الشعر من حيث صدق التعبير والصدور عن الشعور الذاتي دون تقليد أو تزييف. ولعلها أول قصيدة للشاعر نفسه على هذا النحو، فقد كان يؤثر قرب المنال من عامة القراء؟ ولكن الموضوع في هذه المرة حكم عليه أن يخلد البطولة المصرية في الفلوجة بشعر يذهب مذهبها في القوة ومجاوزة المستوى العادي. ولست أريد بذلك أن أفضل القصيدة على غيرها من شعر الأستاذ علي محمود طه، إنما أنعتها بصفاتها، فلا شك أن السهولة والرقة لهما مكانهما في غزلياته وغرامياته.
وبعد فقد قام شاعرنا الكبير بحق البطولة على الشعر، وجاءت قصيدته عملاً ممتازاً، ينبغي أن ينظر فيه الشعراء الذين يؤثرون العزلة والهرب من المجتمع والانطواء على عواطفهم الشخصية وخيالاتهم البعيدة عن مضطرب الحياة. ونحن أمة لم تستكمل ضروراتها من الحرية والحياة الراقية المستقرة، فإذا كان لشعراء أمم أخرى أن يعكفوا على ألوان مترفة من الشعور والتفكير فإن ذلك لا يروج في بلادنا ولا يناسبها ف هذه المرحلة من حياتها، وأقل ما يرجى من الشاعر أن يشارك مواطنيه مشاعرهم ويصدق في التعبير عنها. وما أكثر من يسترون العجز بدعوى (التحليق) الذي لا يأتون من بشيء. . .
فليا يا فليا:
(أطلعت في العدد ٨٠٩ من الرسالة الغراء على كلمتكم الحكيمة عن شعر (البلالايكا) التي قلتم في نهايتها (أليس لقائل آخر ما دام الباب مفتوحاً أن ينشر قطعة قد تكون أروع من هذه بعنوان (شرم برم)؟ ولقد قرأت في عدد مارس من مجلة الشرق الأدنى للإذاعة اللاسلكية قطعتين من الشعر للأستاذ عبد الرحمن الخميسي، إما أن أضعهما فوق مستوى تفكيري، وإما أن أضعهما تحت عنوان (شرم برم) والقطعتان مرسلتان إليكم، بعد أن انتزعتهما من المجلة، دفعاً لمظنة التزوير، لتروا رأيكم فيهما).