أوفي بعض المعاني المطروقة للجميع، وقد قلنا في مثل ذلك ندفع تهمة السرقة عن العقاد حينما كتب إلينا أديب ناشئ يقول إن العقاد سرق حينما قال:
فقبلتكفيه وقبلت ثغره ... وقبلت خدَّيه وما زلت صاديا
فقد زعم الأديب الناشئ أن العقاد سرق هذا المعنى من قول القائل:
أعانقه والنفس بعد مشوقة ... إليه وهل بعد العناق تدان؟
وألثم فاهكي تزول حرارتي ... فيشتد ما ألقى من الهيمان
كأنَّ فؤادي ليس يشفى غليله ... سوى أن يرى الروحين يمتزجان
نقول إننا قلنا لهذا الأديب الناشئ إنه لما كانت العواطف تتشابه فقد يجيء الشعر متشابهاً لأن الألفاظ وهي أداة التعبير عن العاطفة مِلكٌ لكل شاعر، فإذا كانت العواطف المتشابهة يتفق فيها الكثير من الشعراء، وإذا كانت الألفاظ التي هي أداة التعبير مِلكاً لجميع الشعراء، فإنه والحالة هذه يجدر بالناقد أن يتريث في حكمه على فلان أنه سرق من فلان.
هذا كلام قلناه قبل أن يموت دولة النقراشي باشا، وقبل أن يرثيه الراثون، ندفع به تهمة وجهت إلى شاعر، ونُبَصِّر الناشئين بالنقد السليم وصراطه المستقيم.
يقول ناقدنا الفاضل متحدثاً عني ما يأتي: (على أنني عجبت للأسمر وما هو بالعاجز عن النظم أن يكون أخذه من شعر الزين هكذا ظاهراً مكشوفاً) وأنا أقول لصديقنا الناقد إذا كنت تعلم أنني لست عاجزاً عن النظم فهلا درأت الحدود بالشبهات؟! وإذا كنت تعلم أنني لست عاجزاً النظم فهلاَّ ترفعت يا صديقي عن أن تجعل من الحبة قبة؟ وهلاَّ أرحت بالك من أن تشغله بأنني سرقت ألفاظاً هي مُلك للجميع، أو أغرت على معنى ليس من مبتكرات المعاني وإبداعاتها، قال الجرجاني:
(ولستَ تُعدُّ من جهابذة الكلام ولا من نقاد الشعر حتى تميز بين أصنافه وأقسامه وتفرق بين المشترك الذي لا يجوز ادعاء السرقة فيه، والمبتذل الذي واحد أحق به الآخر وبين المختص الذي حازه المبتدى فملكه) وقالوا (إن السرقة في البديع المخترع لا في المعاني المشتركة) وقالوا (إن صح أن الشاعر لم يسمع بقول الآخر فتلك المواردة).
وسئل أبو الطيب عن مثل ذلك فقال الشعر جادة وربما وقع الحافر على موضع الحفر!!
ألم يمرَّ صديقي الأستاذ عباس على ذلك وأمثال ذلك قبل أن يجلس على منصة حكمه بمجلة