للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن. . . كيف أعبر، وكيف أشرح، وكيف أفسر؟!

كان ذلك في ليلة عادت فيها من نزهة ممتطية صهوة جواد. وترجلت عنه بوجنتين ورديتين، وصدر لاهث، وساقين متعبتين وعينين مجهدتين. ثم تهالكت جالسة على مقعد منخفض. ورأيتها في هذا الحال فعرفت أنها قد وقعت في حب غيري. إذن لم أكن مخدوعاً! وتحاشيت نظراتها وأنا في ذهول. والتفت صوب النافذة فرأيت الخادم يقود الجواد إلى حظيرته. ثم نظرت إليها، كانت تتبع الجواد بعينيها، وهو يسير في نشاط، حتى إذا ما اختفى عن ناظريها استلقت على المقعد وراحت في سبات عميق.

وقضيت الليل مسهداً أفكر. كنت أحاول أن أخترق سراً لا اشك في وجوده. من ذا الذي يستطيع أن يصل إلى أعماق نفسية المرأة؟ ومن ذا الذي يمكنه أن يكشف دلالها الغامض وخيالها العجيب؟

وأصبحت ترحل فجراً وقد امتطت صهوة جوادها فيركض بها في السهول والغابات. وكانت تعود في كل مرة مجهدة كأنها مقبلة من موقعة غرامية. وفهمت، وأصبحت أغار من ذلك الجواد، وأغار من الريح التي تداعب شعرها، ومن الأفنان التي تهمس في أذنيها، ومن أشعة الشمس التي تقبل وجنتيها، من ذلك السرج الذي يلمس جسمها. أغار من كل هذه الأشياء التي غمرتها بالسعادة والبهجة والنشوة والتي تنهك قواها فتعود إلي في شبه غيبوبة.

وعزمت على الانتقام. وجعلت ألاطفها وأوليها اهتمامي. وأمسك بيدها أعينها على الترجل بعد عودتها من نزهتها. وكان الحيوان المتوثب يندفع نحوها، فتربت على رقبته وتقبله في خياشيمه دون أن تمسح شفتيها، وتمتزج رائحتها برائحته الغريبة.

وانتظرت اليوم والساعة، ساعة الانتقام. كانت تسير كل صباح في طريق يخترق غابة صغيرة فخرجت قبل الفجر وقد تزودت بحبل ومسدس أخفيته في صدري وكأنما أنا ذاهب إلى مبارزة وأسرعت صوب ذلك الطريق، وشددت الحبل بين شجرتين، ثم رقدت وسط الحشائش وأنا أرهف السمع، فسمعت صوت ركضات الجواد آتية من بعد، ثم لمحتها مقبلة تحفها الأفنان والجواد مندفع بها: أواه. أني لم اكن مخدوعاً. لقد كانت في سرور ظاهر، والدماء تتصاعد إلى وجنتيها، وقد تلألأت عيناها وهي تهتز فوق الجواد في نشوة جارفة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>