المتربع في كيانها الذي كنت عبداً له. أن مجرد تفكيري وخشيتي من أن تنكشف تلكما العينان الزرقاوان عن فتور وملل يجعلني أحس بنار سريعة تتقد في فؤادي فتحرقني وتزيد من حنقي وكراهيتي.
وفي ذات يوم لاحظت أنها فاترة نحوي، فنظرت إلى عينيها فوجدت فيهما تلك النظرة الباردة العابسة. وعندئذ عرفت، وشعرتن، وأدركت، لقد انتهى كل شيء، انتهى إلى الأبد. . . ولم يكن هناك أدنى شك في ذلك؛ لقد تبين لي الدليل في كل ساعة، بل في كل لحظة.
وحاولت، وناديت الذراعين والشفتين، فكانت تتحول عني في ضيق وهي تتمتم قائلة دعني. . . أنك ثقيل. . . ألا تترك لي فرصة للراحة؟!
وعندئذ شعرت بالغيرة المستعرة، وذقت مرارة الخديعة، وضاق صدري غيظاً، وعرفت جيداً أنها ملتني، وأن شعورها الحيواني الفاتر الآن سوف يلهبه رجل غيري يوماً ما. كنت غيوراً في جنون ولكني لست مجنوناً. . . كلا. . . بالطبع كلا.
وانتظرت وارتقبت ولكنها لم تخني. ومع ذلك ظلت باردة هادئة. وكانت أحياناً تقول لي (إني أنفر من الرجال) وعيناها تؤكدان ذلك عندما كانت ترنو إلي.
وصرت أغار من دلالها ومن برودها، وأغار من وحدة لياليها ومن حركاتها، وأغار من أفكارها الآثمة بل من كل شيء يتعلق بها.
كنت عندما أستيقظ صباحاً وأنظر إلى عينيها، تلكما العينين المطفأتين، يضيق صدري غضباً وأشعر بثورة جارفة في نفسي تعصف بي وبنزوة طارئة تدفعني إلى خنقها، وأن أضغط على عنقها الجميل حتى أرغمها على الاعتراف بما في صدرها من أسرار.
هل أنا مجنون؟. . . كلا. . .
وفي ذات ليلة وجدتها وقد غمرتها سعادة لا أدري كنهها. فاستنتجت أن عاطفة جديدة قد تولدت في ذاتها. بل تأكدت من ذلك تأكد لا يتزعزع. لقد كانت تنتفض انتفاضة من أشبع رغبته، ملتمعة العينين باسمة الثغر، مشرقة الوجه. وتظاهرت بعدم المبالاة. ولكني كنت أراقبها من طرف خفي، ومع ذلك لم أكتشف شيئاً وانتظرت أسبوعاً، ثم شهراً، ثم فصلاً، فكانت تزداد جمالاً في عاطفة غامضة وقد غمرتها نشوة من السعادة المبهمة. وفجأة وضح لي الأمر، واستنتجت، وعرفت! إني لست مجنوناً. أقسم إني لست مجنوناً.