القوم حماد عجرد ومطيع بن إياس الكناني ويحيى بن زياد فنزلوا بالقرب منا فكانوا لا يطاقون خبثاً ومجانة).
وكانت محجة القوم في الكوفة بيت رجل يقال له (ابن رامين) قدم من الحجاز ولعله كان من أصل يهودي وكان صاحب قيان ونبيذ (فكان من يسمع الغناء ويشرب النبيذ يأتونه ويقيمون عنده مثل يحيى بن زياد الحارثي وشراعة بن الزند بوذ ومطيع ابن إياس وعبد الله بن العباس المفتون وعون العبادي الجيري ومحمد بن الأشعث الزهري المغني وكان نازلاً في بني أسد في جيران إسماعيل بن عماد فكان إسماعيل يغشاه ويشرب عنده، ثم انتقل لبعد ما بينهما. وكان لابن رامين جوار ويقال لهن سلامة الزرقاء وسعدة وربيحة وكن من أحسن الناس غناء).
وقد اشتهر أهل الحجاز بالميل إلى الغناء وبإتقانهم فنونه، ولذلك كان مجلس (ابن رامين) من مجال طلاب الغناء المشهورة في الكوفة. وكان عامة من يقصده من أصحاب الفن يحسنون الغناء وقول الشعر أو روايته على الأقل. وكان إسماعيل بن عماد مثلا صاحب شعر رقيق جميل وحس مرهف يقول الشعر في (ابن رامين) وفي صاحبات ابن رامين وفي شعره نغم موسيقي. وأما محمد بن الأشعث الزهري وهو من رواد هذا المحل ومن المقيمين في بني أسد فكان مطرب النادي، كان يغني تلك الأشعار ويأتي بألوان من الغناء تهز السامعين هزاً. وكان مطيع بن إياس وهو صديق حميم من أصدقاء حماد عجرد من هؤلاء الفنانين الموهوبين أيضاً وكان ينظم الشعر ويرويه. فكانت هذه الندوة ندوة الفنانين، هذا ينظم وهذا يغني وهذا يروي وهذا ينكت، ومن هذا الخليط يتكون ذلك الجو الأدبي الذي امتازت به مدينة الكوفة كما امتازت حانات باريس وأمهات المدن الأوربية التي اشتهرت بالنتاج الأدبي فتجد فيها الشذوذ والعبقرية والسذاجة والإتقان والمتناقضات التي لا تجتمع في نوادي العاديين من الناس.
أما بضاعة هذه الطبقة التي كانت تدر عليهم الأرباح فكانت الشعر وروايته، وكانوا يحصلون على العطايا والهدايا إما عن طريق المديح وإما عن طريق الذم وهجاء الناس. وكانوا ينفقون أموالهم بغير حساب على القيان والشراب والمجالس والذهاب إلى البساتين لتمضية الوقت بين الماء والخضراء والوجوه الحسنة. وكان بستان شورين من البساتين