أوجعت صاحبكم وبلغت منه، يعني حماد عجرد. فقلت بماذا يا أبا معاذ؟ فقال بقولي فيه:
يا أبن نهيا رأس على ثقيل ... واحتمال الرأسين خطب جليل
فادع غيري إلى عبادة رب ... ين فإني بواحد مشغول
فقلت لن أدعه في عماه. ثم قلت له قد بلغ حماداً هذا الشعر وهو يرويه على خلاف هذا. قال ماذا يقول؟ قلت يقول:
فادع غيري إلى عبادة رب ... ين فإني عن واحد مشغول
فلما سمعه أطرق وقال أحسن والله لبن الفاعلة؛ ثم قال إنني لا أحتشمك فلا تنشد أحداً هذين البيتين. وكان إذا سئل عنهما بعد ذلك قال ما هما لي.
واشتد الهجاء بين الشاعرين فكان بشار يهجو حماد وهو في البصرة وكان حماد يرد عليه أو ينظم ما هو شر منه وهو في الكوفة. فكان من جملة ما قال حماد في بشار:
والله ما الخنزير في نتنه ... بربعه في النتن من مسه
بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه
ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه
وعوده أكرم من عوده ... وجنسه أكرم من جنسه
ولما سمع بشار هذه الأبيات تظاهر بعدم الاكتراث وقال: ويلي على الزنديق! لقد نفث بما في صدره. فقي له وكيف ذاك؟ فأجاب ما أراد الزنديق إلا قول الله تعالى (لقد خلق الإنسان في أحسن تقويم) فأخرج الجحود بها مخرج هجائي. وهو قول متهم في متهم.
قال الرواة وهذا خبث من بشار وتغلل شديد. وهو خبث حقاً والتفات فطن، فيه سرعة خاطر، يتقطر غيظاً وحقداً من هذا الشاعر الأعمى على ذلك الخصم الذي يراه ولا يتمكن بشار من رؤيته فيصفه:
قال الشريف المرتضي وأول من جعل نفي الإلحاد تأكيداً للوصف به وأخرج ذلك مخرج المبالغة، مساور الوراق في حماد عجرد حيث قال:
لو أن ماني وديصانا وعصبتهم ... جاءوا إليك لما قلناك زنديق
أنت العبادة والتوحيد مذ خلقا ... وذا التزندق نيرنج مخاريق
ومساور الوراق صاحب هذه الأبيات شاعر رقيق ماكر من الهجائين وله في الهجاء مكانه.