تجد لها نصيرا من أبنائها، وبغير نظام ينفي عن الحزب الدخلاء والملوثين وذوي الأغراض الخبيثة.
ثم يأتي بعد ذلك نوع من الصحافة يتلبس بالورع، ويتظاهر بالتقوى، ويتخشع بالبراءة من التعصب، ويبدي للناس انه طالب خير للناس، وانه يريد النفع هذه الأمة وعامل على ترقيتها وتهذيبها وهو في خلال ذلك يدس لها سما زعافاً ومنية قاتلة، شيئاً فشيئاً ورويداً رويداً وساعة بعد ساعة حتى لا تمجه الألسنة لأول مذاق، ثم إذا بان طعمه شيئا لم تستنكره، ثم يستمر حتى إذا دام قليلا الفتح وربت عليه، ثم إذا زادته شيئا لم يكن إلا طيبا مستساغاً، ثم إذا الناس يطالبونه أو يخيل إليهم انهم يطلبونه لأنه مما يتصل بأدنأ الغرائز الحيوانية والشهوات البهيمية، ويجند لكل هذا الخبث جمع من الكتاب الذين ظلوا عن حقيقة أنفسهم وطائفة من الشباب الذين أفسدتهم المدارس الأجنبية والجامعات الغربية عن هذه الأمة، وهذا الطرف من الصحافة الخبيثة هو البلاء المستطير الذي لم يجد إلى اليوم من يكشف عن طواياه الخبيثة وأساليبه القاتلة، وعن دبيب رأي هذه الأمة العربية دبيب الضلالة في قلب الغرير المفتون.
ثم يأتي بعد ذلك كتاب وعلماء ورجال من أصحاب الرأي، ليس في قلب أحد منهم تقوى لله ولا خشية للاثم ولا محبة للحق، فيرى أحدهم الرأي الفطير فلا يلبث أن يمسك القلم فيجري السواد على بياض الورق، فإذا هي مقالة أو كتاب أو رأي اخبث منه صاحبه والناطق به، فيأخذه المبتدئ المتطلع، فيعتقده كأنه لقطة نفيسة بغير تحقيق ولا تمحيص، فإذا سمع رأي يخالف ما قرا لهذا الكتاب البليغ أو الأستاذ الكبير أو الفيلسوف القدير، أنكره وأدبر عنه، فيزيده هذا الإنكار لجاجة، وتزيده اللجاجة عنادا، ويملئوه العناد كبرا، فيعما عن الحق وهو بين، ولا يزال يهوى في العناد حتى يصير ذلك عادة في مسألة بعد مسألة ورأي بعد رأي، وإذا هو عند نفسه أكبر من أن يأخذ عن فلان لأنه يخالفه في الرأي.
وتزيد الدولة هذا الأمر ضراوة واستعاراً، فتولى الأمور غير اهلها، وتضع الناس في غير منازلهم وتكرم فلان بإلحاقه بوظيفة كذا لأنه من أشياع الحزب الذي يتولى الحكم، فإذا خافت عليه أن ينزع من مكانه إذا جاءت وزارة أخرى، ألحقته بعمل لا يقبل العزل. فإذا جاء وزير للمعارف مثلا وله أصحاب من شيعته ممن عرفوا بشيء من الأدب ألحقه