فاتخذها حافظ وقتئذ وسيلة للتهكم والاستخفاف، وسار يوماً في نزهة مع صديقه المرحوم عبد العزيز البشري بجزيرة الروضة وجعلا ينظمان قصيدة هزلية في معارضة هذه القصيدة، كان أحدهما يقول شطراً والآخر يقول شطراً، ومطلعها:
شال واتخبط ... وادعى العبط
ليت هاجري ... يبلغ الزلط
إلى آخر تلك القصيدة التي بلغت ستين بيتاً. . . .).
قلت: وهذه أيضاً رواية تحتاج إلى تحرير وتصحيح، فإن شوقي قد نظم قصيدته (مال واحتجب) في وصف (البال) الذي أقيم في قصر عابدين عام ١٩٠٤م، وكان هذا (البال) يقام كل عام، وكان شوقي يصفه كل عام، أما معارضة حافظ لهذه القصيدة، فإنها ترجع إلى تاريخ قريب، وهو يوم أقام أدباء العربية مهرجان المبايعة بأمارة الشعر لشوقي عام ١٩٢٧م.
ذلك أن صديقنا الشاعر المرحوم محمد الهراوي كان يرى أن لقب (أمارة الشعر) بدعة، وأن لكل شاعر مكانته ووضعه وامتيازه في عالم الشعر، فلما توجهت الدعوة لإقامة ذلك المهرجان لشوقي، أخذ الهراوي يحرض أصدقاءه من الشعراء على مقاطعة ذلك المهرجان، وعلى عدم مبايعتهم لشوقي بلقب الأمارة، وكان يعمل مع حافظ في دار الكتب فتحدث معه في هذا الشأن، كما تحدث مع الشيخ عبد المطلب، وفي ليلة اجتمعوا ومعهم لفيف من أصدقاء الهراوي وأصدقاء حافظ وأمضوا سهرة صاخبة في مقهى في نهاية العباسية شرب فيها من شرب، وطرب من طرب، واستخفهم التهكم على شوقي، فأخذ حافظ ينشد:
شال وانخبط ... وادعى العبط
وأخذ الحاضرون يجيزون على هذا النمط حتى بلغوا بالقصيدة ستين بيتاً، كما يقول الأستاذ الطناحي، وكان الهراوي رحمه الله يقيد ما يقال. . . .
وفي الصباح اجتمع حافظ والهراوي ومن معهما في دار الكتب وأنشد الهراوي هذه الأبيات: