وقد مر الإنتاج الفكري ومرت الكتب خلال العصور المظلمة بمحن شديدة، ولاذت بالاختفاء أيام الغزوات البربرية في عهد الهون والوندال، ولبثت في الأمم الأوربية مدى قرون تقبع في ظلمات الاديرة، ولم تجد متنفساً وملاذاً إلا في الدول الإسلامية، في ظل المدنية الإسلامية الزاهرة؛ واستمرت محاكم التحقيق (التفتيش) عصورا تجد في مطاردة التفكير الإنساني وفي مصادرة الكتب وحرقها؛ ولكن هذه الخطوب والمحن كلها لم تخمد جذوة التفكير الإنساني، ولم تقض على حياة الكتاب؛ وخرج الكتاب ظافرا من هذه المحن، وجاءت المطبعة في فجر العصر الحديث فاستطاع بعونها أن يغمر العالم؛ ولم تقو عصور الطغيان ونظمه على مغالبة الذهن البشري؛ فإذا كان الكتاب يجوز اليوم أزمة فكرية اجتماعية، نظرا لتطور الحياة والاختراعات العلمية، فتلك أزمة مؤقتة، سوف يتاح للكتاب أن يتغلب عليها متى استطاع أن يهيئ نفسه للسير مع الظروف الجديدة في ألوان لا تغض من قدره ورفيع مكانيه.