ألمانيا قد أصيب في عهد الطغيان الهتلري بضربة مميتة، وأضحت الثقافة الألمانية والأدب الألماني الحاضر والصحافة الألمانية الحاضرة صورة متماثلة مملة للمبادئ والنظريات والآراء التي يفرضها الطغيان السياسي يمر الإنتاج الأدبي دائما بهذا الدور، ويصاب التأليف بمثل هذا العقم والتماثل ويواجه الكتاب اشد المحن.
وهنالك أخيرا روح العصر؛ فعصرنا عصر سرعة ورياضة، والسرعة تدفع كل الناس بلا هوادة، وشغف الرياضة يستغرق اهتمام الشباب وفراغه؛ فلا يجد من الوقت أو الرغبة ما يحمله على التماس القراءة، ولا سيما القراءة الرزينة الهادئة. وإذا أتيحت للشباب فرصة القراءة اليوم فماذا يقرأ؟ الكتب أو المجلات الخفيفة، المبتذلة غالبا، لأنه لا يقرأ وإنما يقرأ للهو فقط، ولا يريد أن يبذل جهودا عقلية في استيعاب كتب الثقافة الرفيعة، وهذه الروح السيئة بلا ريب، من أقوى العوامل في صرف أنظار الشباب عن الكتاب.
وهل نحن بحاجة للقول بان جميع ما قدمنا من العوامل والظروف ينطبق على سير الحركة الفكرية والإنتاج الأدبي في مصر كل الانطباق؟ إن الكتاب يواجه في مصر نفس الأزمة الخطيرة التي يواجهها في جميع الأمم المتمدنة؛ وقد صرفت الصحافة والمجلات الأدبية والقصصية ولا سيما المجلات الخفيفة والماجنة أنظار الشباب عن القراءة الرزينة المفيدة؛ وافسد الأدب المبتذل، ولا سيما الأدب الجنسي ذوق الشباب وعقليته، فأنحط مستوى تفكيره وتقديره؛ وأضحى الكتاب القيم لا يجد بكل أسف بين الشباب كثيرا من الأنصار. أضف إلى ذلك ظرف مصر الخاص وهو انتشار الأمية فيها، وضعف نسبة المتعلمين إلى حد لا يزال يزري بكرامتها، ولولا إن الشعوب التي تتكلم العربية التي نكتب بها في مصر تبلغ زهاء سبعين مليوناً، لكان خطب الإنتاج الأدبية العربي مضاعفاً؛ ومع ذلك فالمعروف أن الكتب العربية القيمة تواجه اشد الأزمات، وان الكتاب الذي لا يطبع منه سوى ألفي أو ثلاثة آلاف نسخة يمكث أعواماً طويلة قبل أن تنفذ نسخه بين السبعين مليوناً من الشعوب التي تتكلم العربية والخلاصة أن الكتب تواجه اشد أزمة عرفتها في العصر الحديث. وقد تتفاقم هذه الأزمة، ويزداد ذيوعه كساداً، ولكن الكتاب لا يمكن مع ذلك أن يختفي أو يموت. ذلك أن الكتاب قد ولد مع المدنية الإنسانية، ولبث مدى العصور اقدس متنفس للذهن البشري، وما دام الذهن البشري ينتج ويعبر عما يجول فيه، فلا بد من التجائه إلى الكتاب،