للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إننا لم نخض في ذلك اليوم ملحمة، ولا شهدنا معمعة، ولا أرقنا لعدو دماً، ولم نجاوز فيه الكلام، ولكنه كلام جعل كل فتى من هؤلاء الفتيان بطلا، وترك في نفسه ذخيرة تمده بالقوة دهراً، وصب في نفسه من العزة ما جعل نفسه أسمى من النجم، وأكبر من الدنيا. كلام ولكنه كان أساساً من الصخر الراسي في صرح الوحدة العربية غداً والإسلامية بعد غد. كلام ولكنه أرهب العدو وخلع قلبه، ورده عن قصده، ودفع من عدوانه. كلام ولكن بمثله تحيا الأمم، وتبنى النهضات، وتكتب تواريخ المجد. كلام، وإن من الكلام لفعالا من أعظم الفعال، وقوة من أمضى القوى، ومجداً من أسمى الأمجاد.

إن الشام يذكر لك يا بغداد في عرس الاستقلال، ما أسديت إليه في بؤس الاحتلال، فهلا اتخذت عند مصر يداً مثلها تذكرها لك يد الدهر؟

إن مصر، يا بغداد، أختنا الكبرى في العروبة، وقضية مصر قضيتنا، ووادي مصر وادينا، وعدو مصر عدونا، وإننا إن نخذل مصر نخذل بلادنا، وإلا نكن معها نحن أمتنا.

يا بغداد، يا ذات المجد، يا مثوى البطولة، يا عرين الآساد، أن مصر قد عدا عليها العادون، وكشر لها عن أنياب الذئب، من كان يجيئها أيام الحرب في فروة الحمل، سائلا يطلب منها العون ولمال. إنه يريد الآن أن يفرق بين أسودها وأسمرها، وأعلاها وأدناها ويسرق منها نصف واديها، أفتنامين يا بغداد في سرر الأمان، ومصر في الشوارع تصارع الذئاب؟

يا بغداد! اليوم يومك، يا بغداد!!

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>