نأخذ بما في الكون من أشياء نافعة وأفكار مبدعة، ونريد أن نساهم بقسط في تطور الفكر وإبداعه، فذلك حق لنا وضرورة لازمة، ونطمع فيما يطمع فيه غيرنا وهو استكمال النقص فينا لإبراز عناصر الحياة وتدفقها في ثقافتنا ولجعلها حقيقة عالمية تفني حين يفنى العالم بأكمله.
ونحن نعرف ما في قوانين الطبيعة من تفاوت وتفرقة، وما تمليه قواعد الطاقة ونظم الحياة الحديثة وما في العالم من قدرة وقوى محركة، ونعرف مواطن النقص لدينا وأماكن الضعف عندنا، ولكننا سنقبل المعركة كما دخلها الآباء والأجداد من قبل، سنتقدم بغير هوادة، لا تقدم اليائس بل تقدم الواثق من نفسه، سوف لا نقف بعد اليوم لأن الجمود تراجع، وستبرز فينا القوى الكامنة والمستمدة من عناصر الفتوحات الكبرى بشكل يبهر العالم. ولا يغرنكم ما ترون من تطاحن وتناحر واختلاف وتنابذ، أن ما يبدو مستحيلا أو بعيداً للوصول إليه سيتحقق، وسنرى الأحزاب مدارس لإخراج الرجال وتدريب القادة، ستملي النهضة قوانينها الثابتة المستمدة من روح الحياة والتاريخ، وتأخذ سيرها الطبيعي بعد التحرر، وتجعل من الأتباع والأعوان أنصاراً للفكرة الكبرى يثبتون على مبادئهم، ويفرضون على القادة التمسك ببرامجهم السياسية، فلا خصومة شخصية ولا كراهية يمليها الحقد، ستكون المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، ومصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد. وسنصل بالعلم والتدريب والنظام إلى خلق طبقة من الرجال: لا يخشون في الحق لومة لائم، أشداء على أنفسهم، فيهم الصبر والتؤدة والإقدام والسرعة، لديهم البصيرة النافذة والعناد والجرأة، نرى في أعينهم الثبات على الرأي، ونلمس في مشيتهم قوة الإرادة والسرور في ملاحقة الأخطار والصعب من الأمور، سيجمع بينهم طائفة من العواطف النبيلة أهمها حبهم لبلادهم وشعورهم بضرورة التفاهم والتعاون لترقية هذا الوطن: سنرى الشافعي في رجل الدين، وابن بكار في القضاء، وابن خلدون في العلماء، وصلاح الدين وبيبرس في القواد والزعماء وسنقول يومئذ ما قاله توسيديد (إن قوة المدينة في رجالها لا في قلاعها ولا في أسطولها).