الذي تنطق صفحاته بأيام النصر المتلاحقة المتتابعة عنصر هام من عناصر التكوين الروحي والعقلي للأمة المصرية، وهذاالإيحاء الدائم المتواصل المستمد من تاريخنا الإسلامي والعربي هو مصدر روحي لقوة الأمة وعبقريتها واستعدادها للتصادم ومقارعة الأحداث.
وأعود بهذه المناسبة إلى كلمة نشرتها عن الفكرة العربية وحاجتها إلى مجهود عدد كبير من المفكرين والباحثين ونظرت إليها كجزء مكمل للتكوين الروحي والعقلي للأمة المصرية. بل ذهبت في إيماني بها إلى تقرير مبدأ يتلخص في أن الكثير من مشاكلنا الخلقية والقومية، والتي تبدو لنا صعبة الحل؛ سيسهل علينا مواجهتها على ضوء الأسس الاجتماعية التي لا تعتمد على العقل وحده بل تحرك القلوب والمشاعر، وليس أعظم من الإيحاء الدائم المستمد من التاريخ الحي لتلقين الجماعات وإشعارها بالدور الذي لعبته في الماضي وتهيئتها لمواجهة المستقبل ومصاعبه.
ونحن الآن في مصر أمام حركة قومية تحدث العالم عنها، ووقفت البلاد إزاءها وقفة من تلك الوقفات التاريخية الخالدة، إذ أجمعت الأمة ممثلة في أحزابها ورجالها وساستها في المطالبة بحق ثابت لها، وهذا عمل عظيم رائع يملأ النفس تفاؤلا ويكاد يشعرنا بأن الأيام المقبلة ستكون حتما أسعد لنا من الليالي القاتمة السواد التي مضت. وإنا لنحس بأن هذه الدفعة وليدة الوعي القائم والرغبة المنبعثة عن إرادة شاملة للتحرر، بل فيها ما يقنع بأن هذه الإرادة ترمي إلى أبعد من ذلك كله: ترمي إلى إثبات كفاية هذه الأمة ومقدرتها على التقدم وإلى تأكيد شخصيتها وتحررها من الصلات القائمة لكي تعتمد في حل مشاكلها القادمة على القوة الكامنة فيها وحدها. هذه حالتنا اليوم في موقفنا إزاء الأحداث القادمة، ولئن شغلتنا قضية البلاد بمشاكلها الداخلية والخارجية ومصاعبها؛ فنحن في حاجة ماسة إلى تعهد هذه اليقظة، بعمل دائم من رجال الفكر، لكي تقوم هذه النهضة على أساس عقلي دائم، ولكي تبرز القيم الروحية لهذا الوعي، حتى تغمر الدوافع القومية كل طبقات الأمة. فيكتب لنهضتنا الدوام والاستمرار، وتحمل طابع الخلود الذي يلازم الحركات القومية الكبرى.
وهذا ما يدعونا إلى تقرير بعض المبادئ العامة التي تصلح لأن يؤمن بها كل منا. فالمبدأ