أربابها، ويتصدّر فيها من لم يكن يطمع في الجلوس في حواشيها، يلقى فيها ما يجتمع على إنكاره الدين والعقل والذوق، من التحريف والتخريف والباطل الموضوع والسخيف الواهي، ولقد كان تدريس (القبة) في جامع دمشق لأكبر علمائها، وآخر من تولاه البدر الحسني رضى الله عنه، فصار اليوم لكل ذي عمامة مكورّة، ولحية مدورة، وصوت يصك الآذان!
وكذلك اختفت من المساجد حلق العلم الحق، وتوافرت فيها مجالس الوعظ الباطل والقصص الموضوع، ولدينا عدد عديد من العلماء الذين نصبتهم الحكومة مدرسين للعامة، فلبثوا في بيوتهم ما يراهم من أحد، اللهم إلا (أمين الصندوق) أول يوم من الشهر والحاكمون ذوو السلطان في كل عيد مهنئين، وكل سفر مودعين، وكل قدوم مُسلمين وعندما تشغر (وظيفة) ليقاتلوا عليها، ويحاربوا دونها. .
أما المدارس فحديثها أطول، والبلاء فيها أشد، وهي على ضروب:
فَضْرب منها لأناس ليسو منا، ولا لسانهم بلساننا، ولا دينهم من ديننا، قدموا علينا أرضنا، وأخذوا أبناءنا، ليخرجوهم أعداءنا، ويجعلوا منهم أداة من أدوات (التمدين) التي رأينا أشكالا منها مؤذية وألواناً. . . منها العازارية والفرنسسكان والفرير واللاييك والأمريكان، وواضح لا يحتاج إلى إيضاح أن هذه المدارس لا تدرس الفقه ولا الحديث ولا تعني بعلوم اللسان. وأنها أنشئت لغير هذا، وما كتمت منهجها ولا أخفته، ولا خدعت الناس عنه، ومع ذلك نجد تجاراً مسلمين، بل وعلماء يدعون أنهم الهادون المهديون، الصالحون المصلحون، قد أرسلوا إليها أبناءهم وبناتهم. . . وقد ظهر بعد أن أغلقت هذه المدارس - والحمد لله - أن أكثر تلاميذها، بل جمهورهم من المسلمين!
وضرب منها لأناس من عامة هذا الشعب ضاقت بهم سبل العيش فلم يجدوا طريقاً إلى الكسب، فاستأجروا بيوتاً أو وضعوا أيديَهم على غرف مظلمة في مساجد مهجرة، فسموها مدارس، وسَمَّروا أخشاباً بأخشاب فَدَعَوْها مقاعد، وأجلسوا عليها أَغْلِمَةً جعلوهم تلاميذ، وتمت الرواية لما صاروا هم المعلمين. . . وهذه المدارس (المسرحية) لا تصنع في نشر الثقافة الإسلامية شيئاً لأنها لا علم فيها أصلا وهي آخذة بالزوال. . .
وضرب منها مدارس أهلية كبيرة، كثيرة التلاميذ والمدرسين ضخمة البناء يديرها أفراد أو